كنيسة طنطا بعد التفجير الإرهابي أمس.(رويترز)
كنيسة طنطا بعد التفجير الإرهابي أمس.(رويترز)
الإثنين 10 أبريل 2017 / 20:10

الدم يؤكد: لا تجديد في الخطاب

م يبدأ المشروع الظلامي في مصر ولن ينتهي فيها، فالقائمة طويلة والمشروع يمتد من طرطوس إلى طنجة ومن لبنان إلى عُمان

أكد تفجيرا الأحد الدامي في كنيستي طنطا والاسكندرية في مصر أن الإرهاب الظلامي الأسود يعشش في بطون المدن العربية ويتكاثر في أحيائنا الفقيرة المكتظة بالفقر والنسيان، وينمو وينشط رغم كل الهذر الإعلامي عن تجديد الخطاب الديني وترسيخ قيم التسامح في مجتمعاتنا، التي كانت في الأصل مجتمعات منفتحة على الآخر ومتسامحة قبل اجتياح جماعات التطرف والتخلف لعقول وأرواح شبابنا التائقين إلى الحرية والتغيير، وقبل مرحلة التواطؤ العلني بين نظم اليمين السياسي وجماعات اليمين الديني التي مثلتها، ولا تزال تمثلها، جماعة الإخوان المسلمين التي تحمل مشروعاً سياسياً يهدف إلى هدم الدولة في المنطقة العربية من خلال تفتيت المجتمع وتقديم الماضي على المستقبل وإجهاض محاولات التقدم والنهوض واعتبار الانعزالية والتحشيد الطائفي ممارسة للورع والتقوى.

لم يبدأ المشروع الظلامي في مصر ولن ينتهي فيها، فالقائمة طويلة والمشروع يمتد من طرطوس إلى طنجة ومن لبنان إلى عُمان، لكن العبث بأمن مصر يحمل رسالة خاصة وخطيرة توحي بتصميم الظلاميين على العمل في عمق المركز بعد سنوات من المراوحة في الأطراف، ولعل في ذلك ترجمة لرؤية هنري كيسنجر المفكر اليهودي الذي صار وزيراً لخارجية أمريكا وكان صديقاً لبعض العرب في زمن المعاهدات والصفقات.

لم يكن التفجيران الإجراميان الأخيران بداية النشاط الدموي للجماعات الإرهابية في الداخل المصري، فقد سبقتهما جرائم كثيرة حملت بصمات جماعات معروفة ومصنفة وملاحقة محلياً، لكن تفجيري طنطا والاسكندرية تميزا بإعلان تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عنهما، ما يعني أن الاستهداف هذه المرة يجيء من خارج الحدود وإن كان التفيذ يتم بأيدي أدوات إجرامية محلية، كما يؤكد صدق ما أعلنته الدولة المصرية أكثر من مرة بأن محاولات العبث بالأمن المصري تجيء في سياق مخطط مدعوم وممول من الخارج، وتقف خلفها دول معروفة بعدائها للقاهرة.

كانت موجعة رؤية أشلاء الضحايا الأبرياء الذين غرقوا بدمائهم في بيوت العبادة، وكانت مؤلمة رؤية الدمع في عيون الأهالي الذين لم يكونوا قادرين على تصديق ما حدث، ولم يكونوا قادرين على تفسير دوافع هذا الإرهاب الدموي وتوقيته. لكن الذي كان مستفزاً أكثر من أي شيء هو لجوء المعلقين ورجال الدين إلى تكرار الاسطوانة المشروخة حول ضرورة تجديد الخطاب الديني، وقبول الآخر وهم الذين يرفضون هذا الآخر ويتجاهلون دور المكون المسيحي في مشروع النهوض العربي الموؤود.

في مصر ملايين كثيرة من المواطنين العرب المسيحيين، ومنهم رواد في الثقافة والعلوم والفكر والاقتصاد، وفي قيادة العمل الوطني والتصدي لمحاولات ومؤامرات استهداف الوطن من قبل قوى الاستعمار والهيمنة الخارجية، وقد شارك هؤلاء بفعالية مشهود لها في كل الثورات التي عاشتها مصر في مواجهة العدوان الأجنبي، كما شاركوا ببطولة في كل حروب الدفاع عن التراب الوطني المصري.
لكن هناك من لا يزال يراهم غرباء! وهناك شيوخ ظلاميون في ما زالوا يكفرون مواطنيهم في الزوايا وفي جلسات الذكر.

يحدث ذلك في مصر، مثلما يحدث في سوريا وفي العراق وفي فلسطين، حيث يتم التعتيم على رواد وقادة ثوريين قضوا في النضال من أجل شعوبهم وحقها في الحرية.
دعونا نعترف بأن شيوخ الحلقات والدعاة الذين يرتدون الجلابيب وأؤلئك الذين يرتدون البدلات الفرنسية وربطات العنق صاروا نجوماً في الزمن الربيعي وما قبل هذا الزمن البائس، ودعونا نعترف أيضاً بأن مقدمي البرامج الدينية في القنوات التلفزيونية أصبحوا ينافسون الممثلين، ليس في أجورهم فقط، ولكن في انتشارهم أيضاً.

الأخطر من ذلك أن إرهابيين ظلاميين مثل أبي بكر البغدادي وأيمن الظواهري وأبو محمد الجولاني معروفون أكثر من غيرهم لدى أجيالنا الشابة التي تم تجهيلها بمنجز وتاريخ الرواد التقدميين في المنطقة العربية.
هو زمن بائس حقنا حين نعرف البغدادي والظواهري والجولاني وننسى جورج حبش وأنطوان سعادة وجول جمال.