الإثنين 10 أبريل 2017 / 20:00

يشترون الطريق... نحو المجهول

من أسوأ نتائج الحروب وقلة الأمن، اضطرار الناس إلى اللجوء بحثاً عن ملاذ آمن، يجنبهم ويلات الحروب، والوقوع فريسة سهلة لأي غالب، حيث تغدو أرضهم مسرحا للتصفيات بين عدة دول، وبين جماعات مسلحة وإرهابية. لهذا السبب الرئيس وأسباب أخرى يضطرون إلى اللجوء، تاركين خلفهم البيوت والأموال والذكريات وكل شيء بحثاً عن الأمان، خوفاً من هذا المجهول فإنهم يشترون الطريق نحو المستقبل الآمن.

لنأخذ سوريا مثالاً، لنقل أن عائلة أبي حسام تريد اللجوء إلى ألمانيا، فإن الخطوة الأولى الأساسية، هي توافر المال، لأن عصب هذا اللجوء وأساسه، إن غاب تعذر الأمر برمته. معظم من بقي، منعه ضيق الحال من اللجوء، سواء أكان هذا اللجوء داخليا أم خارجيا. منهم من اعتمد على أقاربه في توفير المال، ومنهم من باع ممتلكاته.

دور المال هو تأمين الطعام والمأوى في رحلة اللجوء، وشراء الطريق، ثم الاستقرار. مقدار المال يحدد المحطة الأخيرة، فمن يملك أكثر، يستطيع الوصول لأوروبا، من مبالغ لشراء الطريق، وتذاكر العبارة، وثمن سترات النجاة، التي تباع بأسعار متفاوتة، ناهيك عن الغش الذي قد يحدث فيها؛ ليتسبب في غرقهم.

لنقل مثلا عائلة أبي حسام مكونة من الأب والأم والأولاد، لو كانت تملك ثلاثة الآف دولار فيمكنها الوصول إلى حدود لبنان وتركيا، أما بعشرة الآف دولار فيمكنها الوصول إلى ألمانيا، وتبقى الأسعار متفاوتة حسب المخاطر والظروف والاتفاقيات مع جماعات تأمين الطريق.

شراء الطريق هي أموال مدفوعة، تضمن لعائلة أبي حسام المرور الآمن تجاه تركيا، لا تتوقف السيارة لأي سبب، ولا يسأل عن الركاب، فكلّ الأطراف المتحاربة قد قبضت الثمن، وبعدها تتوقف عائلة أبي حسام؛ لتعبر الحدود التركية ضمن اللاجئين، منهم من يدخل تركيا عبر الأنفاق الأرضية غير الشرعية التي قد تستمر ساعات أو يومين، سيبكي الأطفال من التعب والجوع، يتبعهم الكبار في البكاء بصمت وألم، لينتهي التهريب بدخول تركيا؛ للإقامة يومين أو أكثر، للانتقال بعدها بالزوارق إلى اليونان، ثم ألمانيا.

ستبحر عائلة أبي حسام في البحر الأبيض المتوسط، الذي ابتلع خلال هذه السنوات، كثيرا من الحالمين باللجوء من البلاد المضطربة وبالهجرة من دول أخرى، منهم من سوريا وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان وممن لا يحملون أوراقاً ثبوتية في البلدان التي ولدوا فيها. كلهم وغيرهم مثّلوا مدّاً بشرياً نحو أوروبا، في هجرة قلّ نظيرها؛ لأول مرّة تكون تحت أنظار العالم من خلال وسائل الإعلام.

إن اللاجئين بحاجة إلى الطعام والمسكن والمساعدة النفسية، بعضهم وجد عملاً واستقر، منهم من التحق بالجامعات الألمانية، منهم من مازال في مخيمات اللجوء، حيث يسامرهم حارس الأمن مستمعاً إلى قصصهم عن بلادهم و رحلة اللجوء، مزجياً الوقت معهم في الوقت ذاته في لعب الورق. وتبقى الورقة المجهولة من سيبقى؟! من سيرحل. لقد اشتروا الطريق، لكن المستقبل مازال مجهولاً.