الثلاثاء 11 أبريل 2017 / 20:09

حارم والجدار

في الجدار العازل الذي يتلوى كجسد الثعبان على اطراف جبل حارم السوري ما يستدعي جدران أخرى الى اذهان تنوء تحت عبء جدار فصل عنصري أقامته اسرائيل لعزل الضفة الفلسطينية المحتلة عن امتدادها في شمال فلسطين التاريخية وآخر يحيط بمخيم عين الحلوة في الجنوب اللبناني وما زالت تحتفظ بصور احتفاء الألمان بانهيار سور برلين الذي شطر بلادهم خلال سنوات الحرب الباردة وتحولت حجارته إلى هدايا يحملها السياح لدى عودتهم إلى بلادهم.

مثل جبال وتلال فلسطين التاريخية والجنوب اللبناني يحتفظ جبل حارم بهواء سورية الكبرى بين رئتيه للحد الذي يحرم الناظر إليه من لواء الاسكندرون متعة اكتشاف فارق جمالي بين خضرته وخضرة اشقائه وشقيقاته في عموم بلاد الشام أو تجاهل حقيقة عجز التحولات السياسية التي عرفتها المنطقة طوال عقود مضت عن النيل من شموخ اتاحته الطبيعة.

يطل عليه اللاجئون السوريون من بلدة الريحانية التي صارت مدينة ـ بعد أن عبروه إليها هرباً من جحيم القصف والدمار الذي لحق بمدنهم الشمالية ـ وكأنهم يلتقطون أنفاسهم انتظاراً لرحلة عودة يظنون انها تأخرت.

لا تخلو أحاديث الناس في هذه المدينة من تجارب اللاجئين السوريين مع مافيات المهربين التركية ـ السورية المنتشرة على جانبي الجدار ومغامرات هروب لا تقل إثارة عن حوادث ركوب البحر إلى أوروبا أو التنقل بين دول القارة العجوز بحثاً عن ظروف لجوء افضل.

وعلى مقربة من الريحانية تربض مدينة انطاكية التي تذكر كسابقتها بأصولهما "الاسكندرونية" المستعصية على الذوبان رغم الحروف التركية المنتشرة على واجهات محلاتهما.

اختلاف انطاكية عن الريحانية لا يقتصر على صخب نمط الحياة في المدينة ووضوح ثرائها ففي أسواقها ومقاهيها تستطيع سماع انتقادات الاهالي للسياسات التركية في سوريا دون عناء يذكر.

ومن خلال الحواجز الأمنية المنتشرة في لواء الاسكندرون الذي تحدرت منه رموز سياسية وثقافية سورية يلمس المار بالمكان إجراءات لا يلاحظها في مدن أخرى مثل اسطنبول وأنقرة حيث يأخذ الحضور السوري أشكالاً أخرى أكثر تعايشاً مع تحولات المزاج الرسمي التركي وميلاً لتجاهل ما يحدث على أطراف جبل حارم والريحانية وانطاكية.

منذ تدفق اللاجئين إلى أراضيها تظهر الحكومة التركية قدراً من الفصام في تعاملها مع التناقضات المترتبة على اللجوء وتبعاته فهي تقدم بعض الخدمات للسوريين المقيمين وتستخدمهم أداة ابتزاز للغرب والتهديد بإغراقه بموجات من اللاجئين وتتباهى بكرمها معهم وتبني جداراً للحد من زيادة أعدادهم.

مناخات بناء جدار جبل حارم على الأراضي السورية صورة أخرى لارتباك السياسة التركية المتبعة في التعامل مع الملف السوري، تكشف جانباً آخر من تمدد الأزمة الموغلة في الاستعصاء إلى العمق التركي وتظهر مبالغة في ما يتردد بين حين وآخر عن رشاقة اللاعبين الأتراك على حبال أزمات المنطقة.