صورة للشاعر مع نيكسون
صورة للشاعر مع نيكسون
الخميس 13 أبريل 2017 / 20:34

نجومية الشاعر أفتوشنكو

1-
حين رحل الشاعر العالمي يفغيني افتوشنكو، بعد أن جاوز الثمانين سنة عاد إلى الأضواء من جديد، وفي ثوانً معدودات، في نشرات الأخبار الفرنسية.

لقد خمل ذكر افتوشنكو طويلاً، ولم يعد موضع اهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام بعد أن احتفى به وطبل له طويلاً إثر كتابته قصيدة "بابي يار سنة 1961"، التي ندد فيها بمجازر النازية ليهود كييف سنة 1941 في الحرب العالمية الثانية وفيه إشارة متعاطفة مع اليهود الموجودين في الاتحاد السوفياتي، هذا سوف يجعل المخابرات السوفياتية (كي جي بي) توجه له تهمة معاداة السوفيات.

ولا يكاد افتوشنكو يذكر خارج هذه القصيدة التي قربته من دولة إسرائيل، ولم تجعله يتعاطف مع أية مجزرة إسرائيلية ضد الفلسطينيين في عقر دارهم فلسطين، وهذا جعله شاعراً منحازاً. ويكيل بمكياليْن في قضايا الحرية والالتزام الإنساني.

2-
( بابي يار) أشَّرَتْ على نجومية الشاعر الروسي يفغيني افتوشنكو. وكان ممثلاً، وكاتب سيناريو، ومخرجاً سينمائياً، ولقد سبق لهذا الشاعر أن أقام أمسية في واحدة من كبريات عواصم استقبال الشعر العربي دمشق، في السبعينات، حيث ألقى شعره أمام جمهور عربي وأجنبي كبير، أغلبه لا يفهم الروسية، ولكن من حضر الاُمسية (التي لا صدى لها في المواقع الإلكترونية ) يؤكد أن أمسيته قد أحدثت ما أحدثت في نفوس السامعين، وغيرت ما غيرت في آذان عشاق الشعر وعيونهم على المسرح.

وأذكر أن الشاعرالفلسطيني الراحل أحمد دحبور حدثني في تونس قبل ثلاثين عاماً، عن أثر السحر في هذه الاُمسية، وهذا ما أكده لي الناقد العراقي ماجد صالح السامرائي، وقال لي: "هناك إلقاء شعري ما قبل افتوشنكو، وهناك ما بعد".

3-
يثير غياب ايفتوشنكو مسائل كثيرة، ويمكن إيجازها في ثلاث، هي:
أولاً: نجومية الشاعر:

لا وجود لشاعر نجم في أوروبا الغربية الحديثة، والشعراء الأوروبيون الذين حضروا اأمسية نزار قباني في تونس، في القيروان سنة 1995، كانوا يسألون بدهشة وحيرة وغيرة: هل لهذا الحدّ يحبّ العربُ الشعرَ والشعراء؟.

وفي السر سوْال: لماذا لا نملك هذه الحظوة في ببلداننا. وكان نزار قباني ومحمود درويش شاعرين نجمين توضع صورهما على الصفحات الأولى مع كل قصيدة جديدة أو حوار، وهذا أمر غير معمول به في الصحافة الغربية إلا بصفة استثنائية، وحصل أخيراً فقط مع الشاعر والروائي والرسام الألماني غونتر غراس قبل أربع سنوات.

ثانياً: السياسة سرّ شهرة الشاعر:

في الرابع من الشهر الرابع من سنة 2013، كان غونتر غراس صاحب الغليون ورواية طبلة الصفيح، ونوبل للاداب، يحتلّ الصفحة الأولى في أكثر من جريدة ، وسبب ظهوره ليس أدبياً، ولكن قصيدته النثرية المباشرة (ما يجب أن يقال) أثارت الأوساط السياسية الأوروبية، ولم تكتف بهذا، فعديد الأقلام الادبية الأوروبية تنتقد بلدانها، ولكن دون هذا الضجيج.

إنّ كل السر في قصيدة غراس هو أنه انتقد نفسه بنفسه على سكوته الطويل على بلاده ألمانيا التي ما انفكت تدعم دولة إسرائيل، واعتبره أمراً لا يوحي بإحلال السلام في العالم مع التنديد بنشاط إسرائيل النووي.

ولأنّ الموضوع هو إسرائيل، فإنّ تهمة معاداة السامية هي التهمة الجاهزة، في أوروبا لمن يقترب من موضوع إسرائيل أو ينفي حدوث المحرقة، ولأنّ غونتر غراس صاحبَ جائزة نوبل سلطةٌ أدبيةٌ وتناول موضوعاً يخص السلطةً، وفيه شحنة تجارية وفرقعة إعلامية، فإنّ هذه القصيدة قد نشرت في الصفحة الأولى في أكثر من صحيفة أوروبية، وفي اليوم نفسه مثل أي خبر عالمي أكيد ولافت.

وترجمت هذه "القصيدة – البيان" إلى أكثر من لغة هامة وغير مهمة، والأهمّ من هذا، هو أن نص القصيدة وصورة غونتر غراس احتلتا معاً مساحة غريبة وغير مألوفة في الصحافة، وهذا يشير ويشي بإمكانية أن يكون الشاعر نجماً إذا انتبه إلى موضع الوجع السياسي وكان سلطة أدبية مثل نزار قباني ومحمود درويش وغونتر غراس.

ورغم الفارق في مستوى تلقي الشعر ببن العرب والغربيين، فإن صدور قصيدة في مكان إعلامي بارز هو حدث أوروبي جلل بكل المقاييس.

ثالثاً: كاريزما الشاعر على المسرح:

وكانت شخصية افتوشنكو الواعية بضرورة الأدائية ( Performance ) في مواجهة الجمهور الذي لا يطلب من الشاعر إلا أن يتفاعل بما يتطلبه النص من طقس درامي، عاملا ًمن عوامل شهرة هذا الشاعر ونجوميته الخصوصية.

4-
يظل السياسي أكيداً في جعل الشاعر نجماً، رغم أن الشاعر يحتاج في خاتمة المطاف إلى عكاز وحيد يجعله حياً يرزق على مدى الدهر، ولا عزاء ولا عكاز للشاعر إلا جودة الشعر.