أحمد دحبور (أرشيف)
أحمد دحبور (أرشيف)
الجمعة 14 أبريل 2017 / 20:03

أحمد دحبور.. تلك الوقفة في ممر الطائرة في بيروت

التقيت بـ "أحمد دحبور" للمرة الأولى في الطائرة، كنت ضمن وفد رابطة الكتاب الأردنيين المشارك في مؤتمر الكتاب العرب المنعقد في تلك الدورة في طرابلس/ ليبيا. كان هناك وفد رسمي من وزارة الثقافة الأردنية، اتضح فيما بعد أنه كان يضم مخبراً نسيت اسمه.

كان ذلك في النصف الثاني للسبعينيات، وكانت تلك المرة الأولى التي أسافر فيها بالطائرة. للدقة لم أكن ضمن الوفد تماماً، كنت أقرب إلى ملحق بذلك الوفد كنوع من المكافأة التشجيعية لشاعر شاب في العشرين حصل لتوه على جائزة الرابطة في الشعر، وكانت مشاركتي محصورة في قراءة في المهرجان الشعري المقام على هامش المؤتمر.

انطلقت الطائرة من عمان وحطت في بيروت، في بيروت صعد الوفدان اللبناني والفلسطيني، كنت الوحيد من الوفد القادم من عمان الذي لم يحصل على عناق أو تحية تملك ذكريات أو مصافحة حارة، من مقعدي قرب النافذة كنت أتابع الوجوه التي تزدحم في الممر بين المقاعد، استطعت بدهشة تمييز الملامح الخاصة للمفكر حسين مروة والتي قارنتها بصورة له من مجلة لبنانية، وبدا ذلك كثيراً أن تكون مع حسين مروة في طائرة واحدة، إلياس خوري كان ضمن الصاعدين أيضاً وآخرين...، حين وقف احمد دحبور أمام المقعد وسألني: أنت ابن خليل زقطان؟.

لم ينادني باسمي، دعاني باسم أبي، وهو أمر تواصل معي لسنوات طويلة فيما بعد، في بيروت ودمشق على وجه الخصوص، حتى أن الراحل "أبو سلمى" كان يدعوني "أبو خليل"، وهو ما فعله الراحل "يوسف الخطيب"، بينما دعتني "فدوى طوقان" بـ "ابن خليل" فيما يشبه انزياحاً، غير مقصود في الغالب، يتناسب مع رقتها الاستثنائية، وهو ما كان يتسبب في إرباكي دائماً.

هكذا حصلت على عناق ويد دفعتني لأكون ضمن تلك المجموعة التي كانت، وما زالت، أقرب إلى منتخب الأحلام بالنسبة للفتى المستغرب الذي كنت.

اليد الهادئة على الكتف التي أشارت إلي بألفة عائلية، ما زالت بالنسبة لي مرحة وفي ذلك المؤتمر، الغريب حقاَ، الذي تضمن خطاباً للعقيد القذافي وشرحاً وافياً عن مؤلفاته، التقيت بمحمد بنيس للمرة الأولى.

أحمد دحبور كان نجماً حقيقياً في ردهات وصالات المؤتمر، كان مشغولاً بكل شيء تقريباً، الشعر والسياسة والنميمة والعلاقات، ولكن ذلك لم يمنعه من المرور عليّ قبل صعوده إلى غرفته في فندق الشاطئ في طرابلس، كان أقرب إلى الشقيق الكبير الذي يجد دائماً وقتاً للاطمئنان على العائلة.

عشية الأمسية سألني عن القصيدة التي اخترتها للقراءة، أعطيته إياها فانشغل مباشرة، بعد قراءتها، بتصحيحها وتدقيقها ووضع حركات التشكيل بقلمه على نهايات ووسط المفردات، وكان ذلك ضرورياً بالنسبة لي.

وفي رحلة العودة منحني الحظ فرصة الجلوس إلى جانب "حسين مروة"، الذي كان من الطيبة بحيث ناداني باسمي، قبل إن يميل عليّ ليهمس في أذني أنه سمع بالمصادفة أحد أعضاء الوفد الرسمي وهو يتوعد بإرسالي إلى السجن بمجرد وصولي إلى عمان، وهو ما كان.

"كان غاضباً من مطالبتك بالإفراج عن معتقلين سياسيين من الكتاب في الأردن"، يقول الرجل الكبير، قبل أن يتابع: "عليك أن تنتبه"!

سألتقي مع أحمد فيما بعد وستربطنا صداقة طويلة، وستشكل مجموعته الشعرية الهامة "بغير هذا جئت" محطة مبكرة بالنسبة لي، وسيواصل تدقيق وتصحيح الكثير من أخطائي النحوية والعروضية أحياناً.

سنصدر معاً فصلية منظمة التحرير الثقافية "بيادر" من تونس، وسنصل إلى "غزة" في نفس الوقت، سيختار هو غزة وسأتوجه إلى "رام الله".

قبل أيام مشيت خلف النعش الذي ضم جسده، مشينا من جامع "العين" إلى المقبرة الجديدة في مدينة "البيرة"، مشينا خلف شبان حرس الشرف الذين حملوا النعش، مشينا خلف موسيقى القرب التي عزفتها فرقة عسكرية، مشينا خلف نعش الشاعر الذي لم يفقد لفتة واحدة من وسامته، وحين صعد فجأة لحن "الوداع الأخير"، تذكرت وقفته القديمة قبل ثلاثين عاماً في ممر الطائرة في مطار بيروت.