صورة بطاقة السفر التي نشرتها دينا علي عبر وسائل التواصل الاجتماعي(أرشيف)
صورة بطاقة السفر التي نشرتها دينا علي عبر وسائل التواصل الاجتماعي(أرشيف)
الجمعة 14 أبريل 2017 / 20:08

كلكم دينا علي

من لطف الله بي خلال كتابة هذا المقال العصيب، هو أنني لست مضطرة لإخباركم بهوية دينا علي اليامي، أو ما حدث لها ولماذا. ولست مضطرة كذلك إلى أن أتكهن بمصيرها، وإن كنت متيقنة من وجود نسخ عديدة من الموت لا تقتصر على إزهاق النفس البشرية.

إن القصة التي وضعتنا في بث حي ومباشر على مدار يومين كاملين مع قبح الذكورية وساديتها، هي أيضاً القصة التي أرغمتني على أن أنظر إلى الجانب الآخر، ذلك الجانب المُظلم الذي يتوارى فيه الجاني مزهواً بتمرده على نور المساواة والإنسانية.

وسيكون من المشين أن أسرق الأضواء من الضحية لأعيرها إلى هذا المجرم، كما أني لست متخصصة لأكتب باستفاضة عن تأثير النظام الذكوري على ديناميكية العلاقات الأسرية.

ولكن أعتقد بأنه يُتاح لي أن أداهم الرجل الشرقي بسؤال: هل تختلف فعلاً عن دينا حين حُرمت من حقها في حزم حقائبها والرحيل؟

لقد مسخت "الذكورية" الرابط الذي يمدّك بشقيقتك أو زوجتك أو ابنتك. لقد حوّلته من حبل سري يغذيكم جميعاً، إذ يضخ ويستقبل كل طرف فيه المحبة والدعم والقبول والرحمة، إلى قيد يفرض عليك أن تُحكم قبضتك على زمامه، حتى حينما تدرك بأن في طرفه المقابل قلب وعقل لا يجاورك إلا مرغماً، فيما يتوق إلى التحليق بعيداً عن عشك.

وهكذا، سواء كانت الرغبة الخالصة في الاستقلالية هي ما تدفع شقيقتك أو ابنتك للرحيل، أو حتى وجود خلافات تحيل الحياة بينكما إلى جحيم لا يطاق، لا يبدو لي بأنك تمتلك رفاهية "الرحيل" بدورك.

فعلى عكس كل رجال العالم، أنت لا يُسمح لك بفسحة تداوي خلالها الآلام والصدمات والخيبات التي نستشعرها جميعاً حين يختار من نحب النأي عنا، ووضع المسافات والحدود بيننا وبينه. أنت محروم من أن تدير ظهرك للمرأة التي تدير لك ظهرها، وممنوع من أن تعاقبها بالبعد، وترد صفعة القطيعة بمثلها. بل لم تُترك لك حتى محاسبة النفس ومساءلتها، لتبحث عن دورك –إن وُجد- في سيناريو الهروب.

أنت مرغم على أن تعرّض عزة نفسك للبتر، لأن رجولتك –وفقاً للمجتمع- أصبحت في أن تمد يدك الموجوعة، متحدياً رغبتها الطبيعية في الانطواء والتراجع، فتسحب تلك الأنثى التي أوجعتك بقصد أو دونما قصد، وتعيدها قسراً إلى الحظيرة.

ولن تكترث هذه "البطريركية المتوارثة" لنفورك من الالتصاق بمن تختار الانفصال، أو لحرجك من النهاية المأساوية لعلاقتك بابنتك وشقيقتك وزوجتك. لقد قلّدتك منصب المالك الشرعي لهن، ولن تتسامح مع تقصيرك في تنفيذ مهامك، حتى وإن خسرت شعورك بالكرامة واحترام الذات.

نعم، أنت تختلف عن دينا حين حُرمت من حقها في حزم حقائبها والرحيل. تختلف كثيراً.

ولكن حسب دينا وشقيقاتها إدراكهن لصنيع الذكورية في حقهن، فيما تختار أنت الاعتقاد الكسول بأنك على خير ما يرام.