الأحد 16 أبريل 2017 / 20:07

أخلاق وموهبة

"اعلم أن كل حصة لا بد أن تتضمن ثلاثة أهداف: هدفاً معرفيّاً، وهدفاً مهاريّاً، وهدفاً وجدانياً". كانت هذه العبارة الأكثر رواجاً في حقبة من حقب التعليم، وفي حين أن بعض التربويين نظر إليها في ذاك الوقت باعتبارها تنظيراً بحتاً، وقولبة مقيتة، ثم صارت على أيدي المطورين جزءاً من التاريخ الذي يذكر ولا يستذكر، فإن ما تحمله المشاريع الكبرى في التعليم، تؤكد أن هذه القاعدة هي مفتاح التغيير في واقع التعليم.

اليوم لا أكاد أسمع عمن يتحدث عن "بلوم" وتصنيفه للأهداف السلوكية التعليمية، وتقسيم الهدف إلى مستويات عقلية متسلسلة من البسيط إلى المعقد، تبدأ بالمعرفة والتذكر، إلى الاستيعاب، فالتطبيق، فالتحليل، فالتركيب، ثم التقويم. ربما لأن صرعة التعليم المبني على المعايير، كانت من القوة، بحث أنست التربويين أساسيات في التعليم ما كان ينبغي أن يغفل عنها.

تتبعت عن كثب التطوير الذي حملته نماذج تطوير التعليم، فلاحظت أن الكلمة المفتاحية فيه هي المعايير. وفحصت المعايير فوجدت معرفة ثرة. نعم، لقد كانت عميقة، وافية، شاملة، منظمة، متسلسلة، مترابطة، لكنها كانت كلاعب سيرك يبهر الجميع بوقوفه على رجل واحدة. يصفق له الجمهور، معجبين بخروجه عن المألوف، وبشكله الملون، وبحركاته المثيرة، لكنهم بعد لحظات من المتعة والإنبهار يتساءلون: إلى أين يمكن أن يمضي هذا المبهر برجل واحدة؟

أمر التعليم من الجلال والهيبة بمنزلة يكون فيها تشبيه بالسيرك أمراً غير دقيق - أدرك ذلك-، لكنه من الأهمية بمكان، بحيث يكون التركيز على المعرفة فيه، وإهمال المهارة والوجدان أمراً غير مقبول، ويستلزم تدخلاً عاجلاً وتوجيهاً واعياً، وهذا ما حدث في الأيام الماضية.

ثمة برنامجان كان قاسمهما المشترك رؤية واعية من المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي تلامس متطلبات رؤية العاصمة 2030 ومئوية الإمارات 2071، فالحضور المقدر، والرعاية الكريمة من سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي لملتقى التربية الأخلاقية واطلاعه على الرؤية الجديدة التي تنطلق من توجيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي إلى التركيز على التربية الأخلاقية، وتوجيه سموه لمديري المدارس بأن تكون التربية الأخلاقية عماد كل مدرسة، وركن كل حصة، وسلوك كل معلم، ومطلب كل تطوير، كل هذا يمثل مفتاح التغيير الذهبي.

ثم إطلاق سموه برنامج تنمية المواهب، الذي تنظمه هيئة السياحة والثقافة بالتعاون مع مجلس أبوظبي للتعليم، الذي يركز على المهارة في أحلى وأجمل وأبدع تجلياتها: الفنون. هذه القيمة التي همشت لفترة بتأثير المفاهيم المتشددة، وأهملت كذلك في ضوء التركيز على المعرفة والعلوم. وكانت ضحية لاتفاق نادر وغير مقصود بين التشدد الديني والتطور العلمي، فالأول رآها سفها، والثاني ترفا.

اليوم يأتي اهتمام سمو الشيخ هزاع بالتعليم، مستنداً على رؤية علمية ثاقبة، وتخطيط استراتيجي واع، يراعي أول ما يراعي التكامل في بناء الشخصية: علماً ومعرفة، مهارة وموهبة، وجداناً وسلوكاً. وبهذا تصنع الأمم.