الأحد 16 أبريل 2017 / 20:03

الاستفتاء ومستقبل النظام السياسي في تركيا

يُدلي ملايين الأتراك، اليوم (الأحد)، بأصواتهم في استفتاء على التعديلات الدستورية الأردوغانية. وإذا جارينا استطلاعات الرأي الأخيرة، تبدو الكفة متأرجحة، تميل لصالح الرئيس وحزبه حيناً، ولصالح معارضيه في حين آخر. لذا، ينبغي التذكير بضرورة التعامل مع استطلاعات الرأي بقدر من التحفّظ. وحتى إذا سلّمنا، جدلاً، بترجيح كفّة أردوغان، يبدو أن نسبة يُعتد بها من المواطنين الأتراك ترفض الموافقة على التعديلات، ولأمر كهذا تداعيات بعيدة المدى، في حال الفوز أو الفشل على حد سواء، على مستقبل النظام السياسي للدولة التركية.

وإذا افترضنا أن الغالبية صوّتت بنعم، فإن التعديلات الدستورية المُقترحة تُمثل أهم تحوّل في بنية النظام السياسي للدولة التركية منذ قيامها قبل قرابة قرن من الزمان، وهي خطوة حاسمة على طريق تقويض الدولة الكمالية. أهم ما في التعديلات، التي يريد لها أردوغان وحزبه نقل تركيا من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، أنها تمنح رئيس الدولة سلطات استثنائية تمكنه من التدخل في النظام القضائي، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، وتعيين كبار الموظفين في الدولة، بما فيهم الوزراء، وفرض حالة الطوارئ، والتحرر من سلطة ورقابة البرلمان.

والأهم، أيضاً، أن الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، سيمكّن السيد أردوغان من البقاء في سدة الحكم حتى العام 2029. وبهذا المعنى يبدو أن طموح الرجل الذي تولى منصب رئيس الوزراء قرابة عقد من الزمن، ورئاسة الدولة على مدار السنوات الثلاث الماضية، لا يعرف حدوداً، وفي هذا ما يدعو للقلق، خاصة وأن طموحاً كهذا يتضافر مع، ويتجلى في، ميول وتوجّهات سلطوية، وسياسات شعبوية، في ظل إخفاقات في الداخل والخارج، ازدادت تسارعاً في السنوات الأخيرة.

ولعل في هذا ما يُفسّر كلام رئيس حزب الشعب الجمهوري المُعارض للتعديلات، الذي يقول إن مرور التعديلات يعني وضع 80 مليون من الأتراك في حافلة بلا مكابح. وفي المُقابل يحاول أردوغان إقناع مواطنيه بالموافقة على التعديلات لأنها "تجلب الاستقرار، وتحقق الثقة".

وإذا حاولنا فهم الدلالات المحتملة للاستقرار والثقة على خلفية الطريقة التي أدار بها أردوغان رهاناته الخارجية على قوى الإسلام السياسي، وإدارته للعلاقات المتأزمة مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك إدارته للعلاقة مع المعارضة، والمسألة الكردية في تركيا نفسها، واستغلاله للمحاولة الانقلابية الفاشلة في محاولة تطهير أجهزة وهيئات الدولة والقضاء والإعلام من معارضين متوّهمين، فإن في كل ما تجلى حتى الآن ما لا يعزز الثقة، ولا يوحي بالاستقرار.

وفوق هذا وذاك، فإن ما يستحق التفكير والتدبير يتمثل في حقيقة أن الميول السلطوية لإردوغان، وحزبه، وقاعدته الانتخابية، تُحرّض على تأمل العلاقة بين أحزاب وقوى الإسلام السياسي لا في تركيا وحسب، بل وفي كل مكان آخر، من ناحية، واللعبة الديمقراطية، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع من ناحية ثانية.

فاللعبة الديمقراطية، والبنية البرلمانية للنظام السياسي التركي، هي التي مكّنت الإسلام السياسي من الوصول إلى سدّة الحكم في تركيا، وثمة ما يبرر القلق على مصير اللعبة، ومستقبل النظام نفسه، في حال احتكاره من جانب جماعة وصلت إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع، ولكنها تصر على البقاء فيها حتى وإن استدعى الأمر نسف اللعبة الديمقراطية نفسها.

كان في احتكام السيد أردوغان، وحزبه، إلى اللعبة الديمقراطية، وصعودهما إلى سدة الحكم، ما منح المراهنين على مشروع الإسلام السياسي، ما يكفي من الذرائع للكلام عن النموذج التركي بوصفه يقبل التعميم والاستنساخ في عموم المنطقة. ولكن في طموحات واستيهامات أردوغان السلطوية المتسارعة، وآخرها محاولة تفريغ اللعبة الديمقراطية من مضمونها الحقيقي، وتحويل صندوق الاقتراع إلى مجرد واجهة شكلية، وتقويض نظام الدولة الكمالية، ما يستدعي إعادة النظر في صدقية العلاقة بين الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية في بلدان مختلفة.

لن ننتظر طويلاً لمعرفة نتائج الاستفتاء. ومع ذلك، ليس من السابق لأوانه القول إن الموافقة على التعديلات تُمهّد للإطاحة باللعبة الديمقراطية في تركيا، وأن رفضها، والتصويت بلا، يُدخل الرئيس وحزبه في مأزق قد يحاولان الخروج منه بمزيد من الصراعات الداخلية، وعمليات التطهير، وتشديد القبضة على مفاصل الدولة. وفي الحالتين، أي القبول أو الرفض، يبدو استقرار النظام السياسي، والثقة، على رأس قائمة الضحايا.