مظاهرة في غزة ضد الحصار(أرشيف)
مظاهرة في غزة ضد الحصار(أرشيف)
الإثنين 17 أبريل 2017 / 20:02

الخطاب المُجَدَّد: احترام إسرائيل ومقاطعة الكنائس وإحراق غزة!

ما زلنا ندور في حلقة فارغة من أي محتوى جدي، وما زلنا ندعو إلى تجديد الخطاب الديني دون أن نُعَرِّف أو نَعرف ماهية الخطاب اللائق بحالنا في الألفية الثالثة، وكأن نهاية ما نريد ونسعى إليه هو إتقاء جنون الخطاب الظلامي لداعش والقاعدة لحماية ذواتنا من الترجمة الدموية لهذا الخطاب شديد التخلف.

وما زال الكهنوت الناطق باسم النظم أو معارضاتها يحتكر مساحة الإفتاء ويعبث بعقول الناس وقلوبهم وحياتهم.

ثلاثة شيوخ أتحفونا في الأسبوع الماضي بفتاوى تدعي مواجهة الخطاب الظلامي، لكنها تحمل شحنات من العتمة تتجاوز سواد الفتاوى الداعشية.

واحد من هؤلاء دعا علانية، ومن على منبر مسجد المقاطعة في رام الله إلى إحراق غزة، مستذكراً حال مسجد الضرار الذي قال إن الرسول أمر بإحراقه لوجود منافقين فيه. وكان هذا الدعي يجامل سيده أمير مؤمنين المقاطعة في رام الله حين بالغ في الدفاع عن قراراته المجحفة بحق أبناء شعبه في القطاع المنكوب بحكم حماس، ولم يكتف بتأييد تخفيض الرواتب أو قطع أرزاق الغزيين بل ذهب إلى حد التحريض على حرقهم، متجاوزاَ حقيقة أن محمود عباس ليس نبياً، وأن غزة ليست مسجد الضرار.

ثاني هؤلاء كان يتحدث في مقطع فيديو على يوتيوب، وكان واضحاً في هجومه على المسيحيين العرب، حين أكد أن زيارة المسلم لكنيسة حرام، وأن هذه الزيارة معصية لله عز وجل، ولم يشر إطلاقاً إلى جواز أو حرمة زيارة المسلم لكنيس يهودي.

وكان واضحاً أن "سماحته" ضعيف في الكذب، حيث أظهر مقطع فيديو آخر على يوتيوب أيضاً زيارة فضيلته لكنيسة غير عربية وثنائه على القائمين عليها وحديثه عن التآخي بين أبناء الديانات التوحيدية.

ثالث شيوخ المرحلة كان يتحدث على شاشة إحدى القنوات العربية عن احترام المعاهدات، كواجب على المسلم الملتزم، واختار في سياق حديثه أن يفتي بتخوين من يعارض إسرائيل إذا كانت بلاده ملتزمة بمعاهدة سلام مع الكيان الاحتلالي الهجين على الأرض العربية.

ينشط هؤلاء الظلاميون في زمن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، وتمتد فتاواهم من احترام إسرائيل والتحريض على معاداة المسيحيين العرب والدعوة لحرق غزة وأهلها إلى قضايا أخرى "عصرية"، كالافتاء بجواز الربا، ليس في القروض المصرفية فقط، ولكن في البطاقات الاتمانية أيضاً. وقد سمعت هذه الفتوى في برنامج إذاعي قدم لنا "شيخ الفيزا والماستر كارد" باعتباره عالماً أزهرياً. وهناك من أفتى بحرمة معارضة قرار المدير أو المسؤول في العمل مصنعاً كان أم شركة، وآخرون أفتوا بصحة الزواج العرفي بعقد معلوم الأجل. ومنهم من أفتى بانتفاء جرم الاغتصاب في حال زواج المغتصب من ضحيته.. وهكذا تمتد قائمة الهذيان إلى ما لا نهاية، وما لا يقبله العقل، في زمن يبدو فيه العقل العربي مجمداً ومعطلاً ومصاباً بالجفاف.
يتواصل هذا الهذيان ونحن منشغلون في الدعوة إلى تجديد الخطاب ونقله من الظلامية إلى التنوير بذات الأدوات الظلامية التي أسست لكل هذا الخراب. ثم ننفعل كثيراً حين نواجه هذه الفتاوى والدعوات الغريبة، وكأننا كنا نتوقع خطاباً عقلانياً من الذين انخرطوا في مؤامرة تغييب العقل العربي طيلة عقود طويلة من إشاعة التخلف تحت يافطة الورع والتقوى، وكانوا ولا يزالوا يؤولون النص لخدمة توجهاتهم الظلامية.

عند الحديث عن تجديد الخطاب الديني يجب التفكير في تغيير الأدوات، واللجوء إلى مؤمنين يقدمون العقل على النقل.