الخميس 20 أبريل 2017 / 18:43

التّعويل على المثقّفين لكبح جماح الفكر الإرهابيّ

رسالة إلى الكتاب والأدباء والمثقفين العرب في مناسبة اليوم العربي لمواجهة التطرف والإرهاب، الذي تحييه جميع الاتحادات والروابط والجمعيات والأسر والمجالس المنضوية تحت مظلة الاتحاد العام اليوم الأربعاء، ويخصص الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب يوم التاسع عشر من أبريل من كل عام يوما عربيا لمواجهة التطرف والإرهاب.

عندما نتحدّث عن الثّقافة بوصفها: الهويّة الّتي تحدّد موقع البشر من أنفسهم- خصوصًا- في المرحلة الدّقيقة الّتي يمرّ بها الوضع العربيّ؛ حيث جرّد الإسلام من كلّ القيم الحضاريّة الّتي كرّسها في الفكر الإنسانيّ، ما حدث من قابلية التّوحش والعنف الحاصلة- الإرهاب- كانت ناجمة عن انقطاعنا عن الثّقافة عمومًا، لأنّ نمطًا من التّديّن أدّى إلى إقصاء دور الثّقافة لفترات من الزمن، فقد تخلّى الإرهابيّون عن بشريّتهم، وتوحّشوا- مادام القتيل مرتدًّا كافرًا- استنادًا إلى مرجعيّات فقهيّة مهجورة وأحاديّة، وقُضِي على تراث الأمّة وموروثها الأصيل.

لا سيّما أنّ تهميش الدّور الثّقافيّ في حياة الأمم، يؤدّي- حكمًا- إلى بؤرة صراعٍ وتناحرٍ، وأجواء مشحونة بالتّعصب والدّفاع المستميت عن الهويّة المذهبيّة، فالطّائرات الحربيّة والأسلحة الفتّاكة والقنابل قد تستهدف المواقع والقيادات والأتباع، لكنّها لن تستهدف عقليّة الإرهاب وفكره وعقيدته، لكنّ الثّقافة النيّرة قادرة على الإيغال في هذه العقليّات المشحونة بالكراهيّة للآخر، إلى حدّ استئصالها واجتثاثها من جذورها.

والحاجة إلى فعل ثقافيّ يظهر زيف المدرسة الفقهيّة الأحاديّة، الّتي أخدت على عاتقها إنفاق الأموال على إعلامهم المقروء ماديًّا؛ لترويج أفكارهم كي تغطّي وتلغي الفكر الصّافي والمشرَب النّقيّ، لإيقاظ مارد العصبيّة، وإنعاش جذوة الكراهيّة والتّطرّف والأصوليّة، إلّا إذا توافقت رؤاهم حول رفض هذا المنهج الفقهيّ، وعلى رأسه: شرعنة العمل المسلّح ضدّ الأوطان، وتبيان فساده وخلله، وإلّا فكيف يمكن أن يكون الفرد شريكًا صالحًا في وطن يحارب الإرهاب والتّطرّف؟

هناك بديهيّة يجدر وضعها في الحسبان، فأوامر الشّريعة من الله، وتطبيقها عمليًّا يكون حسب تعاطينا مع الدّين، ومدى قدرتنا على فهمه، والحذق بالمتشابه منه، وطريقة فهمنا للنّصوص تحمل- أيضًا- مدلولًا ثقافيًّا، فالاستنباط ليس حكرًا بلعلماء والفقهاء؛ بل هو للمفكّرين والنّخب من المثقّفين والمستنيرين من أولي الحكمة، لأنّ المثقّف يمتلك حسًّا أخلاقيًّا مرهفًا وشعورًا إنسانيًّا عاليًا، يرشده إلى الرّأي الدّينيّ المتّزن والمتسامح والأكثر رحمة واعتدالًا، فيتّبعه.

وهناك ممارسات- غير نزيهة- في التّعاطي مع كتب التّراث؛ بل أضحت معاول هدم فكريّ،وفتيل للإرهاب الحاصل بل عناصر ترفضها ثقافة الأمّة لاصطدامها مع منظومة الفكر الأصيل، مجموعة من الآفات الّتي تعدّ- في مجملها- مشكلًا ثقافيًّا بحاجة إلى مراجعة وتمحيص، دعونا نعدّد هذه المفاسد، على سبيل الحصر: إشعال الفتنة الطّائفيّة اعتمادًا على تراث بعينه، على حساب الانتماء إلى الدّين الواحد والقيَم الدّينيّة المشتركة، وتبلورت مرجعيّات التّكفير استنادًا إلى الموروثات الأحاديّة الفقهيّة، والانتقائية مع أوامر الدّين، والأخذ بالآيات الّتي نزلت تغتال كفّار قريش والمنافقين لتعاد بلورتها في سياقات مغايرة تمامًا. هذيان في تّفسير الأحاديث، وتسليط الضّوء على ما هو حرام، وعلى الشّرك والبدع، والأخذ بالأقوال المهجورة دون الإحاطة بالمتغيّرات الزّمنيّة، فانتقاد كتب مذاهب المسلمين وأعلامهم الّذين يخالفونهم في التّوجّه، وافتراء على كثير من أئمة المسلمين، فنسبوا إليهم ما لم يقولوه، وعبثهم بكتب التّراث وعبارات العلماء، فحذفوا منها ما لم يمكنهم تحريفه من غير إشارة، وما لا يتوافق مع معتقداتهم وأهوائهم، والعبث بأمّهات الكتب النّفيسة؛ بالقصّ واللّصق، كي تتماشى مع عورات فكرهم، ليضاهوا بها علماء الأمة وإجماعهم على الحقّ المبين، قال تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

لن تكون التّيارات- الجهاديّة والسّلفيّة- بمنأى عن المحاسبة الفكريّة من قبل المثقّفين، ولن يفلتوا من جرائمهم تجاه التّراث الفقهيّ- عاجلًا أو آجلًا- وحرمان الشّباب وتضليلهم عن المفيد والنّافع من الميراث المعرفيّ، الّذي صُودر وهُمّش واجتُزِئ، ولا بدّ من كبح جماح هذا الفكر، حماية للدّولة والأمة أوّلًا، ولمواطنيها وش ثانيًا.

تلك الثّقافة الّتي ننشدها؛ القادرة على مواجهة تزييف الوعي الإسلاميّ، وبناء المفاهيم الصّحيحة، وتحدّي الاتّجاهات الفكريّة الهدّامة، وتأكيد الاعتدال، وغرس التّنوّع، وخلق تفكير وسطيّ لفهم المتغيّرات المحتملة النّاجمة عن التّطور، وإيجاد طرائق جديدة لمكافحة الأفكار السّلبيّة، مثل: التّطرّف والتّشدّد والتّزمّت، وصولًا إلى وضع السّياسات العامّة لتعزيز الإبداع، والفنون، والتّنميّة الاجتماعيّة.

مع ذلك، مازالت مواقف المؤسّسات الثّقافيّة والنّخب المفكّرة، سلبيّة في التّعاطي مع المخاطر المحدقة بالأمن العربيّ، إن لم نقل: مصدومة من هول الواقع المأزوم، ولا تحرّك ساكنًا تجاه التّحولات الحاصلة، وكأنّها لا تنصت إلى أجراس الخطر الّتي تدقّ بقوّة ولا تتوقّف.