الأحد 23 أبريل 2017 / 11:04

سباق إلى الجنوب بين الحريري وحزب الله

إلياس حرفوش ـ الحياة

الرسالة التي أراد "حزب الله" توجيهها من خلال الجولة التي نظمها لوفد إعلامي إلى حدود لبنان الجنوبية هي رسالة إلى الحكومة اللبنانية ورئيسها، كما إلى رئيس الجمهورية وسائر المسؤولين في الدولة، قبل أن تكون رسالة إلى اسرائيل أو إلى إدارة دونالد ترامب. وفحوى هذه الرسالة: نحن هنا. ونحن وحدنا قادرون على حماية لبنان. قرار الحرب والسلم عند هذه الحدود في يدنا.

لذلك بدت الجولة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري برفقة وزير الدفاع وقائد الجيش إلى الحدود، مصطحبين وفداً إعلامياً الى المناطق ذاتها التي جال فيها وفد حزب الله، وكأنها سباق مع الحزب على "ملكية" الجنوب وعلى حق السيادة عليه، والحق في اتخاذ القرار في ما يتعلق بحالة الحرب والسلم هناك. إذ فيما أكد الحريري أن هدف الحكومة اللبنانية هو تثبيت وقف دائم لإطلاق النار مع إسرائيل، بمعنى إنهاء الحالة الموقتة القائمة حالياً، فإن حزب الله يعتبر الجنوب ورقة في يده، يستخدمها ضمن "عدة الشغل" في السياسة اللبنانية لتبرير موقعه المتميز، الذي يفوق موقع أي حزب آخر، سواء في الطائفة الشيعية أو حيال الأحزاب والطوائف الأخرى.

بهذا المعنى لم يكن هناك جديد في الرسالة التي أراد "حزب الله" توجيهها من خلال الجولة الحدودية، فالكل في لبنان يعرف أن الوضع في المنطقة الحدودية ممسوك، سلماً أو حرباً، نتيجة حسابات للحزب لا علاقة لها دائماً بالحسابات اللبنانية أو بالقرار السيادي اللبناني. لذلك يصح التساؤل: لماذا استفزّت جولة الحزب الجنوبية الرئيس الحريري ودفعته إلى تنظيم جولة مقابلة بدت كرد فعل؟ فالوضع الاستثنائي للحزب في المنطقة الحدودية، الذي سمح له بالتصرف بحرية كاملة وبإدخال عناصره الذين كان بعضهم مسلحاً، مع الوفد الإعلامي، تحت عيون الجيش اللبناني، وعبر حواجزه، هو وضع معروف، والجديد الوحيد أن الكاميرات كشفته الآن، فيما هو بعيد عادة عن سمع المسؤولين ونظرهم. "حزب الله" يتصرف فعلياً في أرض الجنوب وكأنها أرضه، له وحده حق حمايتها، في ظل ما يزعمه عن عجز الجيش اللبناني عن الدفاع وحيداً عن لبنان، في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي.

ومن الغرائب التي يندر أن تجد مثيلاً لها في بلد آخر غير لبنان، أنه في الوقت الذي يؤكد رئيس حكومته أن "الجيش وحده هو المكلف حماية الحدود والذي يدافع عنا بصفته القوة الشرعية التي لا قوة فوق سلطتها"، تسمع رئيس الجمهورية، الذي يُعتبر بحسب الدستور القائد الأعلى للقوات المسلحة، يلتمس الأعذار لـ "حزب الله" ولوجوده المسلح في المنطقة الحدودية، بشكل يخالف نص القرار الدولي رقم 1701 الذي أنهى الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006. فالرئيس ميشال عون كان واضحاً في إشادته بدور حزب الله، عندما اعتبر في حديث صحافي أخير أنه "طالما أن الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة إسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود هذا السلاح (سلاح حزب الله) لأنه مكمل لعمل الجيش ولا يتعارض معه، بدليل عدم وجود مقاومة مسلحة في الحياة الداخلية". وأضاف الرئيس: "إن حزب الله هو سكان الجنوب وأهل الأرض الذين يدافعون عن أنفسهم عندما تهددهم أو تحاول إسرائيل اجتياحهم، فهم ليسوا بالجيش المستورد»، في اعتراف واضح بحق الحزب في الدفاع عن "أرضه"، مع تشكيك ضمني في قدرة الجيش على القيام بهذه المهمة.

أمام خلاف من هذا النوع بين رئيس الجمهورية ورئيس حكومته بشأن الدور المطلوب من الجيش في الجنوب، ووظيفة حزب الله في المنطقة نفسها، من هو على حق؟ وكيف يتصرف الجيش أمام خلاف كهذا بين أكبر مسؤولَين في الدولة، ليس فقط حيال مهماته الأمنية، بل قبل ذلك حيال العلاقة الميدانية مع حزب الله في المنطقة الحدودية؟

إذا كانت جولة الحريري في الجنوب تؤكد شيئاً، فهو أن التعايش مع التناقضات داخل الحكومة وفي السياسة اللبنانية عموماً، هو تعايش هشّ وقابل للانفجار في أي وقت. وعندما يؤكد الحريري أن هذا الخلاف الأساسي مع «حزب الله» حول دور الجيش والمسؤولية عن السياسة الدفاعية، لا يجب أن يأخذ الحكومة "إلى مكان آخر"، فإن هذا يؤكد مجدداً الشعور السائد بالقوة الفائضة لـ حزب الله وبالحرص على التعايش معها، لأن البديل هو الانفجار نتيجة قدرة الحزب على ذلك، إذا سارت الأمور على الأرض إلى غير ما يرغب.