مرشحون للانتخابات الرئاسية في فرنسا.(أرشيف)
مرشحون للانتخابات الرئاسية في فرنسا.(أرشيف)
الأحد 23 أبريل 2017 / 19:56

الانتخابات الفرنسية كوسيلة إيضاح!

تبدو الانتخابات الفرنسية لحظة اختبار عملية، ووسيلة إيضاح، لقياس صعود سياسات التحريض الشعبوية والنزعات القوموية والانعزالية، في أوروبا والغرب عموماً

يقترع الفرنسيون اليوم (الأحد) في انتخابات رئاسية هي الأهم في تاريخ فرنسا على مدار عقود طويلة. وفي ظل أجواء قاتمة تهيمن عليها أصداء العملية الإرهابية في قلب باريس، قبل يومين، وانهيار القطبية الثنائية للجمهوريين والاشتراكيين، وصعود الشعبوية من جهتي اليمين واليسار، وفضائح مالية وإدارية، تبدو الرهانات كبيرة، وحظوظ أبرز المتسابقين إلى قصر الإليزيه متقاربة.

ولعل في هذا ما يُقلق الكثيرين لا في فرنسا وحسب، ولكن في أوروبا والعالم، أيضاً. فهذا النوع من القلق جديد، ولم يعد من الممكن تجاهله بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفوز دونالد ترامب بالبيت الأبيض، وتفشي الشعبوية معطوفة على إعجاب بالنموذج الروسي، ورئيسه القوي، في بلدان أوروبية مختلفة. وبهذا المعنى، تبدو الانتخابات الفرنسية لحظة اختبار عملية، ووسيلة إيضاح، لقياس صعود سياسات التحريض الشعبوية والنزعات القوموية والانعزالية، في أوروبا والغرب عموماً.

فمن بين أبرز خمسة مرشحين في الجولة الأولى تتبنى مرشحة أقصى اليمين سياسة معادية للهجرة، وتدعو للانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل، يدعو مرشح اليسار الراديكالي إلى إعادة النظر في الاتحاد الأوروبي، على أسس جديدة. وفي دعوة كهذه ما يهدد بتقويض الاتحاد، ومنطقة اليورو، وربما نهاية عهد السلم الذي عاشته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وعززت أركانه بعد نهاية الحرب الباردة.

على أي حال، لا ينبغي التقليل من التأثير السلبي للوضع الأمني على العملية الانتخابية في فرنسا، ومزاج الناخبين في اللحظة الأخيرة، خاصة وأن نسبة كبيرة منهم لم تحسم أمرها بعد. فالبلاد تعيش في ظل نظام حالة الطوارئ منذ عامين، وعلى مدار الفترة نفسها أودت عمليات إرهابية بحياة ما يزيد على 230 شخصاً إضافة إلى مئات غيرهم أصيبوا بجراح، أو صدمتهم الأعمال الإرهابية بطريقة مباشرة، ناهيك عن أعداد لا تحصى من الخائفين على مستقبل الأمن والاستقرار في بلادهم.

وإذا كان في التقارب بين حظوظ المرشحين ما يقلل من احتمال حصول أحدهم على أغلبية ساحقة في الجولة الأولى، فإنه يرجح احتمال جولة ثانية ( تُجرى، عادة، بعد أسبوعين)، يتنافس فيها اثنان حصلا على أعلى الأصوات، وهذا ينطوي، في نظر مراقبين في فرنسا والغرب عموماً، على نتيجتين على طرفي نقيض. فنجاح مرشحة أقصى اليمين (مارين لوبان)، وكذلك مرشح اليسار الراديكالي (جان جاك ميلانشون) في الوصول إلى الجولة الثانية، على حساب بقية المرشحين، يعني أن الشعبوية أصبحت حقيقة واقعة، وأن مستقبل الاتحاد الأوروبي أصبح في الميزان.

وفي المقابل، إذا نجح رئيس الوزراء السابق في عهد ساركوزي، فرانسوا فيون، أو النجم الصاعد في المشهد السياسي الفرنسي، مانويل ماكرون، في الوصول إلى الجولة الثانية مقابل لوبان أو ميلانشون، تبدو حظوظه أفضل. وفي سياق كهذا لا يُخفي مراقبون في فرنسا والغرب تعاطفهم مع ماكرون النجم، الذي ينفي عن نفسه صفة اليمين واليسار، ويتبنى مواقف أقرب إلى يسار الوسط، وقد تكون إضافة إلى صغر سنّه (39 عاماً)، ووعده بتغيير "المؤسسة" السياسية القائمة، من أوراقه الرابحة.
وحتى في حال وصول فرانسوا فيون، الذي بدا للوهلة الأولى المرشح الأوفر حظاً، والذي أفقدته فضيحة مالية بعض البريق، وإن لم تكن على قدر من القوّة يكفي لاستبعاده من قائمة أبرز المرشحين، إلى الجولة الثانية، فإن فرصته في الفوز على مرشحة أقصى اليمين، أو مرشح اليسار الراديكالي، تبدو أفضل. وفي حال تنافس ماكرون وفيون في الجولة الثانية، يميل البعض إلى ترجيح كفّة الأوّل.

ومع ذلك، لا ينبغي في سياق تأمل سيناريوهات مختلفة، عشيّة الانتخابات (التي سنعرف نتائجها الأولية بعد ساعات) تجاهل حقائق من نوع:
أن تحوّلات حقيقية لا نعرف أبعادها، بعد، طرأت على السياسة، وعلى علاقة الجمهور بالمؤسسة السياسية، في الديمقراطيات الغربية، وأن ظواهر في العالم من نوع الحروب، والهجرة، والعولمة، والإرهاب، والأمن، وعودة أجواء الحرب الباردة، وصعود قوى غير غربية إلى مرتبة الدول الكبرى، فرضت على النخب التقليدية، السائدة في الديمقراطيات الغربية، تحديات لم تعد قادرة على مجابهتها بطريقة تقنع جمهورها. لتحوّلات وظواهر كهذه تداعيات سياسية وأيديولوجية مباشرة، وبعيدة المدى. وهذا، أيضاً، ما تصلح الانتخابات الرئاسية في فرنسا للتعامل معه كوسيلة إيضاح.