الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الإثنين 24 أبريل 2017 / 15:10

ثورة أردوغان المضادة.. أخطاء وتداعيات

رأى إريك إديلمان، باحث مقيم في معهد الدراسات الدولية المتقدمة التابع لجامعة جون هوبكينز، وسفير أمريكا في تركيا من عام 2003- 2005، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعمل على تنفيذ ثورة مضادة للنظام التركي الذي أرسى دعائمه مصطفى كمال أتاتورك على أنقاض الامبراطورية العثمانية.

إذا سعى الرئيس التركي، خلال الأشهر المقبلة، لدفع بلده بقوة وبشدة لتطبيق رؤيته لما بعد الكمالية، فلربما سيقود بلده إلى حرب أهلية ستجعل حينها ما يجري في سوريا المجاورة أشبه بنزهة

وباعتقاد إديلمان، انتهت فعلاً ثورة أتاتورك في 16 إبريل( نيسان)، 2017، اليوم الذي نجح أردوغان في تحقيق هدفه بتحويل نظام بلاده البرلماني إلى رئاسي تنفيذي.

ويلفت الباحث إلى كليشيه تتردد عادة في واشنطن بشأن بلد أو قضية ما، بأنه يشهد "نقطة تحول"، ولكن تلك العبارة المكررة تعبر عن الحقيقة في تركيا حالياً. فقد حكم أتاتورك الجمهورية لمدة 15 عاماً، وكذلك أردوغان، حيث أصبح رئيساً للوزراء في عام 2003 ورئيساً لتركيا في 2014، وعينه على توسيع سلطاته في الموقع الأخير.

رؤية شخصية
ورأى مراقبون في التعديلات الدستورية التي وافق عليها ناخبون أتراك بهامش ضئيل، أنها تسمح للرئيس التركي لكي يحكم، إن أسعفته صحته، حتى عام 2029 أو حتى 2034( عندما سيكون في سن 80). وفي حال تحقق هدفه، سيسيطر أردوغان على الحياة السياسية لمدة تصل إلى ضعف المدة التي حكم بها مؤسس الجمهورية، ولاستكمال سعيه للقضاء على ثورة أتاتورك العلمانية، وإعادة تشكيل تركيا حسب رؤيته الشخصية.

أسئلة بلا إجابات
ويشير الباحث لوفاة أتاتورك في عمر الشباب نسبياً، ولكنه وضع تركيا على الطريق، بحسب وصف دين آشيسون في كتابه" ديمقراطية ناقصة". وكما أشار كاتب سيرته لورد كينروس، اضطلع أتاتورك بمهمة حماية نظام ليبرالي عبر استخدام وسائل متشددة غير ليبرالية. ومن هنا، ترك أتاتورك وراءه عدة أسئلة ليست لها إجابات حيال مستقبل تركيا. ومن الأمثلة على تلك الاستفسارات، ما دور الجيش في السياسات؟ وما دور الدولة في الاقتصاد؟ وأخيراً، ما دور الدين في المجتمع؟

ويقول الباحث إن معظم مسيرة تركيا الحديثة هدفت للوصول إلى صيغة أوروبية ليبرالية في مواجهة أسئلة مفتوحة ونظام كمالي أصبح بعد وفاة مؤسسه قاسياً. وتحقق بعض التقدم لكن تركيا عانت من أجل تحقيق هدف أتاتورك. وأدرك الإسلاميون تلك الحقيقة.

معايير أنقرة
وهكذا، عند وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، وهو الذي برز على أنقاض المواجهات بين الدولة العلمانية والتيارات السياسية الإسلامية، مضى في طريق صعب لتحقيق آمال تركيا العريضة بالانضمام إلى أوروبا. وفي الأيام الأولى لحكمه، قال أردوغان إن ما تسمى "معايير كوبنهاغن يجب أن تصبح معايير أنقرة"، لأنها هي ذاتها المعايير التي تعمل تركيا على تطبيقها لتصبح دولة عصرية ناجحة ومزدهرة.

تغيير كلي

ولكن، بحسب إديلمان، كل ذلك تغير فور موافقة الاتحاد الأوروبي، في ديسمبر( كانون الأول) 2004، على فتح باب ترشيح تركيا لعضويته. وعلى مدار سنوات سيحاول مؤرخون الكشف "عن أخطاء وأسبابها". ويمكن، برأي الكاتب، إلقاء اللوم على عدة أطراف. فقد أصر الأتراك على التوصل إلى تسوية بشأن قضية قبرص، قبل تسوية اعتبرت ناجحة، وتمت في عام 2004. لكن متشددين من القبارصة اليونانيين عرقلوا الاتفاق، وقبل الاتحاد الأوروبي عضوية قبرص، ما أغاظ الأتراك.

زعماء أوروبيون جدد
ويقول إديلمان إن ألمانيا وفرنسا انتخبتا زعماء جدداً أقل تعاطفاً مع قضية تركيا، ولكن الحقائق تشير لتراجع حماسة أردوغان وقاعدته الانتخابية لعضوية الاتحاد.

وفي نفس الوقت، ركز أردوغان في الداخل التركي للتخلي عن قيود بشأن مظاهر التدين في المجتمع والجامعات والحياة العامة التركية. ولم تطبق الشريعة الإسلامية بحذافيرها، ولكن بدا حزب العدالة والتنمية الحاكم مصمماً على استئصال الكمالية من مؤسسات الدولة، واستحداث معاهد دينية ما أثار حفيظة الجيش التركي العلماني الطابع، والذي حاول تنفيذ انقلاب ضد أردوغان في الصيف الماضي، ومن ثم فشل.

مكر وهدف
ويرى إديلمان أن نظرية الفيلسوف الألماني هيغل بشأن "المكر والهدف"، طبقها أردوغان في حملته لتقوية رئاسته، على أساس أنه وحده قادر على تحقيق الاستقرار لبلده المنكوب بهجمات طائفية وهزات ما بعد الانقلاب، وتبعات الصراع السوري. ويختم الباحث بأنه إذا سعى الرئيس التركي، خلال الأشهر المقبلة، لدفع بلده بقوة وبشدة لتطبيق رؤيته لما بعد الكمالية، فلربما سيقود بلده إلى حرب أهلية ستجعل حينها ما يجري في سوريا المجاورة أشبه بنزهة.