في أجنحة معرض أبو ظبي الدولي للكتاب.(أرشيف)
في أجنحة معرض أبو ظبي الدولي للكتاب.(أرشيف)
الجمعة 28 أبريل 2017 / 20:06

معرض أبوظبي للكتاب: وليمة دسمة لأصحاب العقول

ضيف الشرف الصيني، يمثل بعدًا ذوقيًا في العرفان الإنساني، كما أنّ الشخصية المحورية لهذا العام، هي الفيلسوف المسلم الكبير محيي الدين ابن عربي

رائحة الكتب تتحول مع الأيام إلى إدمانٍ حميد، لأسباب كثيرة، أقلها أنّ مادة الحبر التي كانت تستخدم قديماً، يمكن أن ترسخ في الذاكرة، وأقواها، أن الذي يتذوق متعة العلم والتعلم والمثاقفة، يربط وجدانه بشكل محكم بين الكتاب والمعرفة، وهذا الربط يجعل الناس يتأهبون لوليمة دسمة في كل عام، حينما يعلن عن افتتاح معرض أبوظبي للكتاب، المعرض الأكثر راحة وتألقًا بين المعارض المنافسة.

معرض أبوظبي مميز، ويمتاز كرنفاله لهذا العام بالإضافة إلى الكتب الجديدة التي تغطي لغات وأفكاراً مختلفة، بلمسة روحية راقية، فمن ناحية فإن ضيف الشرف الصيني، يمثل بعداً ذوقياً في العرفان الإنساني، كما أنّ الشخصية المحورية لهذا العام، هي الفيلسوف المسلم الكبير محيي الدين بن عربي، ولعلها من لطائف الصدف أن تفوز رواية الروائي السعودي محمد حسين علوان "موت صغير" بجائزة البوكر، وهي تتناول سيرة افتراضية لابن عربي. أو لعلها من دلائل ربط الأشياء لاتجاهٍ روحي تحتاجه الثقافة العربية المعاصرة.

يقول المثقفون، أنه وبملاحظة مجريات التاريخ، فدائماً ما تتسبب الأحداث السياسية الدقيقة، والكوارث الإنسانية المتطاولة، والظروف العصيبة، بولادة ثقافات روحية دقيقة، ولعل تحويل الاهتمام لهذا النوع من الثقافة كفيل بتسهيل الولادة المتعسرة لفكرٍ عربي وثقافة محلية، قادرة على مواكبة التغيّرات العالمية، وإعادة تكيف الموروث والمألوفات.

الكتب العميقة التي تطرح هذه المرة، في هذا الموسم، تبدو تتناول الأحداث الجارية بتحليل معمّق، وتطرح دور نشر عربية، سجالات قويّة حول نظريّات التسامح، وآليات مكافحة الإرهاب، وتقدّم مجموعة محاضرات، كلها تصب في ما أحب أن أصطلح عليه "صناعة الأمل"، ويمكن ملاحظة مساحة الحرية الكبيرة التي تتحرك فيها المنشورات والمحاضرات، وهي مساحة نقدية في غالبها، تعتبر ضرورة لبناء تفكير "واثق" وقادر على المبادرة.

الفعاليات التي تصاحب المعرض، تجعل الوليمة أكثر من مجرد متعة عقلية، فهناك فعاليات موسيقية عالمية، تستطيع أن تمنح الأرواح غذاءً مكافئاً لغذاء العقول، وهذه المزاوجة، لا يمكن أن تحصل عليها إلا في معرض أبوظبي للكتاب، فالكتاب فيه أكثر من مجرد أوراق محبرة، بل منظومة أفكار وتطبيقات، تطل من جهات مختلفة، تنتهي بك لثمرة واحدة فيها بذور كثيرة، أينما غرستها ستحصد فائدة.

المدار الثقافي الحقيقي هو الذي يمكن الاعتماد عليه لملء كل شيء، وللتحضير لدورٍ عملاق يليق بالتحركات الكبرى والمبادرات التاريخية التي تبتدرها الإمارات، والمعارض الثقافية هي مناسبات ملهمة تمكن المجتمع من الارتقاء، ومن الجميل أن تكون بهذا التنوع الذي يستحق الإشادة والفخر والإطراء.

على الجميع اغتنام الفرصة، لزيارة المعرض، وعلى المثقفين التأمل باجتهاد في الإشارات الإيجابية، والمشاركة في صناعة التحوّل الثقافي الذي يخرج من محنة الأزمات السياسية والثقافية الذي يعيشها العالم، يخرج منها شيئاً جديدًا، ومساهمةً حضارية، تليق بطموحات الدولة والقيادة والمجتمع.