صورة تعبيرية. (أرشيف)
صورة تعبيرية. (أرشيف)
الجمعة 28 أبريل 2017 / 20:16

استرجلي

لا زال ميدان العمل يُصوّر على أنه ناد خاص بالذكور، ولكن عوضاً عن حرمان المرأة الكلي من الاقتراب من سوره العالي، لقد بدأوا بقبولها وفقاً لشروط ومعايير يحددونها هم

أخشى أن تصوّر الذكوريين صحيح عما تبدو عليه جلسات النسويات ولقاءاتهن، فنحن نجتمع لنلوك امتعاضنا، ونمرر قهرنا بيننا كلفافة التبغ. هنا خلدت كل معنفة تراجيديتها، وكشفت كل متمردة رحلة إصرارها، وولولت كل يائسة على ضياع أحلامها.

ولكن لم أظن يوماً أن إحداهن ستسرد لنا معاناتها مع الغنج.

إنها واحدة من أولئك الفتيات اللاتي يتصنعن النعومة، ويزيفن الأنوثة إلى درجة باعثة على المرض، بدءاً من مشيتها المتباطئة عمداً والتي كثيراً ما تغري الآخرين بدفعها على السلالم، وانتهاء بصوتها الذي هو أقرب إلى صرير الحشرات الليلية. إنها باختصار تنافس إحدى المذيعات الخليجيات الشهيرات اللاتي كسدت بضاعتهن السمجة.

وعلى الرغم من أني أمتلك حرية ألا أستلطف أو أحب رفقة هذه "الباربي" الصينية المقلدة، فلم يثر اشمئزازي سوى التوصيات لها بأن "تتغير".

فكما ترون، لقد انقرض –أو شارف على الهلاك- ذلك الشرقي الصدوق الذي يخبر المرأة العاملة بأن بيئتها الطبيعية هي المطبخ، وبأن انكبابها على غسل قدم زوجها لهو أعظم بالضرورة من انكبابها على المعاملات والاتفاقيات. لقد أدرك بأن ذلك الإقصاء الفج الصريح لم يعد مجدياً ومقبولاً، وغالباً ما تنهض ضده المرأة غاضبةً ورافضة.

إن الإقصاء في عصرنا هذا بات يُجرى بعناية ورفق، كما لو أن خلفه أنامل ملفوفة بالحرير، ولكن النتيجة التي يسعى لها من يزعم نصرة المرأة في "تويتر وفيس بوك" لا تختلف فعلياً عما سعى إليه جده "سي السيد".

لا زال ميدان العمل يُصوّر على أنه ناد خاص بالذكور، ولكن عوضاً عن حرمان المرأة الكلي من الاقتراب من سوره العالي، لقد بدأوا بقبولها وفقاً لشروط ومعايير يحددونها هم، وبعد اجتيازها لاختبارات معينة وضعوها بأنفسهم، لتثبت لهم بأنها لا تمانع أن تصبح أقرب نسخة ممكنة من نفسها إليهم.

"قللي من المكياج ليأخذك الزملاء على محمل الجد".

"ابتعدي عن طرازك المُلفت من الأزياء، وتقيّدي بالألوان الداكنة والحلل الرسمية".

والطامة الكبرى، والأشد إثارة للحزن: "تحكّمي بحدة صوتكِ، وأصري على مخارج حروفكِ".

وسيضحك أغلبنا من هذه المناورات الخبيثة، حتى يدرك بأنه في 2011، أجرت أستاذة مساعدة في هارفارد دراسة عن استخدام المكياج في مكان العمل، فإذ بالموظفين يعتبرون من تستخدم كمية أكبر منه أقل أحقية من زميلاتها بالثقة. ولا علاقة فعلياً بين "الكونتور" وكفاءة إحداهن في المختبرات والمعامل، ولكنهم إنما اعتادوا أن يروا زميلة تقبل بتحريف تعريفها للأنوثة، فقط ليرضى الساعون لإقصائها.

وأمام موجة العداء هذه، ربما تتساءلون ما هو الدور الذي تلعبه النساء تحديداً في تقوية شوكة بعضهن بعضاً في أماكن العمل، وكم يتصدين لهذا العته المُمارس ضدهن.

يؤسفني أن أؤنبئكم إذاً بأن جميع النصائح المُقتبسة أعلاه كانت من زميلات لـ"باربي"، واللاتي كن قد بادرن بأنفسهن لتقويم مشيتها المستفزة، وتخشين صوتها المزعج. وأترك لكم التعليق.