أمين سر حركة فتح في الصفة الغربية مروان البرغوثي.(أرشيف)
أمين سر حركة فتح في الصفة الغربية مروان البرغوثي.(أرشيف)
الإثنين 1 مايو 2017 / 20:03

الخائفون من مروان

ليس خافياً في هذا السياق أن الرئيس الذي ناضل لتجاوز إرث ياسر عرفات، لا يرتاح لشعبية البرغوثي التي تجاوزت الإطار الفصائلي الفتحاوي إلى الإطار الوطني العام

بالقياس الواقعي، لا يجوع الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال من أجل تحسين شروط اعتقالهم، فالذي لا يعير اهتماماً لرغيف الخبز لا يضيره ضيق الزنزانة وعتمتها.

بالقياس ذاته، لا يتوقع الأسرى الفلسطينيون المضربون عن الطعام أن ينتهي إضرابهم بالافراج عنهم وإطلاقهم من السجون الاحتلالية السوداء، وهم يدركون أن الحرية تحتاج إلى ما هو أكبر كثيراً من الصيام الثوري.

لكن هذا الصيام الذي بدأه القائد الوطني مروان البرغوثي كان ضرورياً لتوجيه رسالة واضحة للعالم كله، بأن الصمود ما زال ممكناً رغم القمع والحصار والمؤامرات والتسويات والاتفاقات البائسة، وأن الرفض قرار وخيار ومسار يتفرد ليس بطهرانيته فقط، بل بواقعيته أيضاً في مواجهة الوهم التسووي وثقافة التعايش بين الأصلاء والغرباء.

ورغم التفاعل الضعيف نسبياً مع إضراب الأسرى في الشارع الفلسطيني المحكوم بأوهام جماعة أوسلو وظلام جماعة حماس، ورغم انعدام هذا التفاعل في الشارع العربي الذي حولت الصراعات والحروب بعض شعوبه إلى فلسطينيين جدد، فإن الرسالة وصلت وأحبطت من فهموها وأربكت حساباتهم.

أول المحبطين هو رئيس السلطة محمود عباس الذي يستعد لزيارة واشنطن ولقاء الرئيس الأمريكي المتطرف في دعمه لاسرائيل دونالد ترامب. ولعل إحباط عباس يفوق إحباط غيره من أقرانه الفلسطينيين والعرب المشاركين في مسيرة الانحراف التاريخي، والانتقال من حالة الصراع مع الاحتلال إلى التحالف معه مروراً بالاعتراف الذي تحقق رغم الإنكار الرسمي، ذلك أن عباس الذاهب إلى البيت الأبيض بغرض جر العرب والمسلمين جميعاً إلى الاعتراف والتطبيع مع اسرائيل، يواجه صدمة عجزه عن تحقيق هذا الاعتراف وتعميمه في الشارع الفلسطيني.

كما أن الرئيس الخائف على مجده التسووي يواجه عاطفة شعبية منحازة إلى قائد يتكئ على شعبية طاغية رغم وجوده في السجن، وقد استطاعت إسرائيل أن تغيب مروان البرغوثي عن عيون الفلسطينيين، لكنها لم تستطع محو اسمه من ذاكراتهم أو نزعه من قلوبهم.

وليس خافياً في هذا السياق، أن الرئيس الذي ناضل لتجاوز إرث ياسر عرفات، لا يرتاح لشعبية البرغوثي التي تجاوزت الإطار الفصائلي الفتحاوي إلى الإطار الوطني العام. ولذلك عمد إلى حرمان مروان من موقعه المستحق في التشكيل القيادي الأرفع في فتح وهو لجنتها المركزية.

يشارك الرئيس في خوفه من مروان بطانته المقربة والداعون له بطول العمر التسووي في صالونات المقاطعة في رام الله، لأن حرية مروان تعني بالضرورة شطب نفوذهم في الحركة وفي السلطة إن لم تؤد إلى شطب وجودهم التنظيمي بشكل كامل.

في الجانب الآخر، وفي الجغرافيا التي يراها عباس ثقيلة على كتفيه، يختلف قادة حماس في غزة مع عباس في كل شيء، لكنهم يشاركونه الخوف من مروان ويتواطؤون معه في العمل على بقاء البرغوثي أسيراً ليقضي شهيداً خلف القضبان.

ولذلك كانت القوائم التي تعدها حماس في عمليات تبادل الأسرى تخلو دائماً من اسم مروان، لأنه الوحيد القادر على إفراغ شعار حماس من مضمونه الزائف، وهو الوحيد القادر على ترجمة الصمود والمقاومة فعلاً لا قولاً.

في المحيط العربي أيضاً لا أحد يسأل عن مروان البرغوثي الذي يربك خروجه من السجن كل حسابات التهدئة مع إسرائيل. لكن الناس يسألون عن مروان، وهذا هو الأهم، فقد سأل الناس عن نيلسون مانديلا قبل ذلك، وسألت إيرلندا عن بوبي ساندز.. وتحررت.