الشاعر نزار قباني.(أرشيف)
الشاعر نزار قباني.(أرشيف)
الإثنين 1 مايو 2017 / 20:05

نزار هو أغنية حبّ ربيعية

جنازة نزار، قلبتْ تقاليد الجنائز عند العرب حيث بدأت المرأة العربية تشيع الأموات عند خروجهم من بيوتهم الى قبورهم

1-
في آخر يوم من أبريل (نيسان)، رحل إنسان هو شاعر الحب والنساء، نزار قباني الذي لم يصلح للنسيان، ففي 30 من أبريل 1998 سمع العربُ الخبر الناعي، ففزعوا واهتزّتْ أجهزة الإعلام لديهم كما لم تهتزّ من قبل إثر رحيل شاعر، فالشعراء في الأمة كثر، ولكن الأمر يتعلق بشاعر اسمه نزار قباني، فقد تأكد خبر موته بعد عديد الإشاعات السابقة.

تعود عشاق نزار وحساده ونقاده وأعداؤه على أن يستطلعوا أخباره ويقرؤوا أشعاره ، وسبق لهم أن تعاطفوا مع المحن العائلية التي عاشها شاعرهم النجم بدءاً بانتحار اخته المراهقة التي حرمت ممن تحب، وصولاً الى فقدان ابنه توفيق، طالب الطب بالقاهرة، ثم بوفاة زوجته بلقيس الرواي في حادثة تفجير السفارة العراقية في بيروت، ثم العملية الجراحية على القلب التي نجحت مرتين.

كان خبر الرحيل الذي استقبله الإعلام العربي استقبالاً باهراً ونادر الحدوث عند العرب، مما اضطر حاكم دمشق حافظ الأسد إلى أن يكفر عن ذنب سوريا التي لم تستطع أن توفر إقامة سعيدة وحرة لشاعرها الذي مات غريباً في لندن، وخصص الحاكم طائرة لنقل جثمان الشاعر حتى يوارى الثرى في دمشق حيث دفن في قبر ابنه توفيق.

لقد ترك رحيل نزار قباني صدى لم يتكرر إلا مع رحيل الشاعر محمود درويش بعد 10 سنوات.
  
2-
جنازة نزار، قلبتْ تقاليد الجنائز عند العرب حيث بدأت المرأة العربية تشيع الأموات عند خروجهم من بيوتهم الى قبورهم، وحدث هذا مع النجوم فقط أمثال عبد الحليم، وغيره، واختلطت النساء بالرجال في جنازة أرادتها النساء لائقة بشاعر اشتهر بالمحامي الذي دافع عن حق المرأة في الحب والمعرفة والمطالبة بقسطها في الحرية فكتب على لسانها ديوانه الشهير: "يوميات امراة لامبالية".

3-
تفاعلت وسائل الإعلام الإذاعي والتلفزيوني والمكتوب (ولم تكن الهواتف الذكية موجودة أصلاً) وتصدر خبر رحيل نزار الصحفات الأولى وأغلفة المجلات الكبرى والمتوسطة والصغرى، وتم اللجوء الى أرشيف الإذاعات والتلفزيونات العربية، مع ملاحظة أن حظ نزار من التلفزيون لا يتناسب مع حجم جماهيرية هذا الشاعر الذي انتشر شعره في الأغاني ووجدان الناس وألسنتهم واختلطت العبارة النزارية بحديث العرب اليومي.

ولكن موت نزار كشف عن فقر أرشيف التلفزيونات والإذاعات العربية التي لم تكن تحب هذا الشاعر إلا اذا مرّ بجوازات سفر بتوقيع محمد عبد الوهاب ومحمد الموجي وكاظم الساهر وفيروز والكبيرة نجاة الصغيرة.

4-
من أشهر ما عرف عن نزار قباني أنه كان مصاحباً للعرب في تاريخهم المعاصر الذي بدأه بالمشاكسة مع قصيدة أثارت عليه رجال الدين وهي (خبز وحشيش وقمر) تلاه انقطاع طويل استأنفه مع مجموعة من القصائد التي أثارت ضجة قومية، أشهرها على الإطلاق (هوامش على دفتر النكسة) صاحبتها قصة منعها في مصر وتدخل عبد الناصر لفتح تأشيرة للشاعر لدخول مصر متى أراد وصولاً إلى قصائده الأخيرة مثل (المهرولون) و(متى يعلنون وفاة العرب).

5-
ولد نزار قباني مع الربيع،  وتوفي في الربيع، وتذكره بعض العرب في الربيع العربي الكذاب، وتجادلوا:

- خسرنا نزار، لو عاش نزار معنا الربيع العربي، ماذا سوف يقول؟

- لم نخسر شيئاً، سوف يعيد كتابة قصائده التي سبق أن قالها قبل الربيع.
  
- القصائد ليست بضاعة انتهت مدة صلاحية استهلاكها.

- قال الكاتب المسرحي الألماني برتولد براشت: "إذا كانت مسرحياته صالحة للتمثيل بعد عشرين سنة، فليس معنى هذا انها خالدة، أن هذا يعني أن المجتمع لم يتطور ولم يتغير!".

- دعوا الشاعر نزار يواصل الحياة، في قبره، وها هو يبدأ عامه العشرين في وجدان العشاق.

- إذن، أقيلوا نزار من أشعاره السياسية، فلا شيء أبقى من أغنية حب.