السبت 6 مايو 2017 / 20:29

ما وراء الحفاوة

أكثر ما ميّز زيارة الرئيس محمود عباس لواشنطن، ولقاءه بالرئيس ترامب، هو حفاوة الاستقبال، والإغداق في الود، ومع أن الأمور في هذا المجال لم تصل إلى المستوى الذي وصلت إليه الحفاوة بنتانياهو، إلا أن ما لقيه عباس فاق كل التقديرات والتوقعات المسبقة.

المتفائلون ومعظمهم من الفلسطينيين، اعتبروا ما حدث مقدمة لفتح صفحة جديدة مع أمريكا، واضعين في الاعتبار المؤشرات المخيفة التي أرسلها ترامب لهم أثناء حملته الانتخابية، والتي بالغت إسرائيل في استثمارها لقمع تطلعات الفلسطينيين، لقد صورت إسرائيل ترامب في زمن الحملة كما لو أنه مجرد ملحق بالمجلس الوزاري المصغر عندها.

فتح صفحة جديدة، تحليل فيه قدر من الصدقية والموضوعية، فما الذي يضر الولايات المتحدة لو فتحت مثل هذه الصفحة مع الفلسطينيين، مثلما فتحتها مع غيرهم، إلا أن السؤال.. ما الذي يكمن وراء هذه الصفحة الجديدة؟

السيد ترامب تعهد بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بإبرام تسوية تاريخية بين الطرفين، وأفصح عن أن هذا الأمر يتطلب جهوداً خارقة هو يقدر عليها وينشد في هذا السبيل دعماً إقليمياً مباشراً للحصول على نتائج مضمونة، وقال إنه سيفاجئ العالم بأن ما كان مستحيلاً على غيره، سيكون ممكناً بفضله، وفي هذه الحالة سيلقى الرئيس الأمريكي تشجيعاً قوياً من الدول العربية، كما لابد وأن يلقى تعاوناً وثيقاً من الفلسطينيين، الذين بعد استقبال واشنطن يعتبرون ترامب بطلاً عالمياً نفض الغبار عن قضيتهم المنسية وأعادها مجدداً إلى التداول.

المفاجأة في هذا السياق البديهي والسلس، ستأتي حتماً من نتانياهو، الذي برع في وضع السياسات الأمريكية داخل القوالب الإسرائيلية، وأي رئيس للبيت الأبيض يحاول الخروج عن هذه القوالب، فلن يكون لجهده من نتيجة سوى الفشل، وما فعله نتنياهو مع الرئيس أوباما ووزير خارجيته كيري، يصلح للاستدلال منه على ما يمكن أن يفعل مع ترامب.

بمنطق الصفقات التجارية سيجد الرئيس الأمريكي نفسه أمام خيارين، إما أن يجازف بالضغط على نتانياهو لتعديل سياساته ومواقفه، وهنا سيجد الرئيس نفسه في موقع سلفه أوباما، الذي جازف ثم هُزم من داخل المؤسسة الأمريكية، وإما أن يتماهى مع قوالب وأسقف نتانياهو، وساعتها لن يكون بطل تسوية تاريخية، بل رجل ضغط على الفلسطينيين للاستسلام.

موضوعياً لا داعي للعجلة والإسهاب في الاستنتاجات والترجيحات، فالرجل قادم إلى المنطقة وأحد عناوين زيارته المبكرة هو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وتحت عنوان مكافحة الإرهاب، لابد من تأمين دعم إقليمي لحل النزاع، ولأنه رجل أعمال كما يجب أن يصف نفسه، سيتعامل مع السوق بكل موجوداته ومراكز التأثير فيه، سيتناسى التصريحات المسبقة والوعود التي بدت يقينية، أو كانت اضطرارية في حينها، لمصلحة ميزان الربح والخسارة، وفي هذا المجال فلإسرائيل يد عليا وأرصدة أكبر من أرصدة غيرها، فهل بوسع رجل الأعمال تجاهل هذا الميزان لمصلحة ميزان غير موجود اسمه ميزان القيم والعدالة؟

الجواب البديهي أنه سينتبه كثيراً إلى الشروط الإسرائيلية، وقد ينجرف إلى نوع من الواقعية الظالمة، فيعطي الإسرائيليين ما يريدون، ويرضي الفلسطينيين بالحفاوة والدعم الاقتصادي، والضغط على إسرائيل لتحسين المعاملة، وقد يصل به الأمر حد أن لا يكون رئيساً حين نصل إلى هذه النقطة.