برج ترامب في نيويورك.(أرشيف
برج ترامب في نيويورك.(أرشيف
الأحد 7 مايو 2017 / 19:53

الكل قلقٌ وما مِنْ يقين

في الفترة ما بين 1999 ـ 2012 غيّر ترامب عضويته الحزبية، بصفة رسمية، من جمهوري إلى ديمقراطي، وبالعكس، سبع مرّات

يقول مساعدوه، والناطقون باسمه، إن الرئيس ترامب يضع حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على رأس أولوياته. وقد يكون الأمر صحيحاً. والمهم، ليس البحث في صدقية هذا الكلام، بل محاولة التفكير في الدوافع: لماذا يحاول رئيس يعاني من تدني شعبيته، ويجابه تحديات تصل إلى حد التهديد بالإقالة، التصدي لمسألة عجز سابقوه، من قاطني البيت الأبيض، عن حلها؟ هل يفعل ذلك تعبيراً عن قناعات سياسية، وقيم أخلاقية، فرضت نفسها عليه، أم تعبيراً عن براعته في عقد الصفقات؟ وحتى في حال صرف النظر عن الدوافع، هل يملك خطة للحل؟

فلنفكر في القناعات السياسية، والقيم الأخلاقية. لا يمكن لأحد تجريد غيره من القناعات والقيم. ويصعب إنكار حقيقة أن ترامب دخل معترك السياسة، ووصل إلى البيت الأبيض، بشعارات من نوع "أميركا أولاً"، و"لنعمل على إعادة الولايات المتحدة إلى سابق عظمتها". وفي شعارات كهذه تتجلى قناعات يمكن ترجمتها بتعبيرات سياسية وأخلاقية.

ومع ذلك، تجابه كل قارئ لسيرة سيرة ترامب المهنية والسياسية صعوبات بالغة في محاولة العثور على ثوابت أهم، وأعلى، من قناعات وقيم الفوز، بالمعنى الشخصي، بصرف النظر عن الثمن السياسي أو التداعيات الأخلاقية. فعلى الرغم من حقيقة أنه دخل معترك السياسة قبل أقل من عامين (2015)، إلا أن مواقفه، وتعليقاته على الشأن السياسي، وحتى نيته الترشّح للرئاسة بدأت منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي. وأبرز ما يتجلى في السيرة أنها لا تتسم بالثبات على مبدأ أو فكرة بعينها. ففي الفترة ما بين 1999 ـ 2012 غيّر ترامب عضويته الحزبية، بصفة رسمية، من جمهوري إلى ديمقراطي، وبالعكس، سبع مرّات. وفي الفترة نفسها انتقل من مؤيد للإجهاض، وتقنين السلاح، والمهاجرين، والمثليين، والحرب في العراق، إلى معارض لكل ما تقدّم.

وبالعودة إلى المهارة في عقد الصفقات، التي يرى فيها ترامب أهم مؤهلاته الشخصية، ثمة مسألة لا تقل إشكالية عمّا تجلى في سيرته "السياسية" من تعقيدات. فهو يعتقد أن فن الصفقة موهبة فطرية "تولد مع الإنسان"، الموهبة التي أدخلته إلى نادي أصحاب المليارات، وكرّس للحديث عنها، على مدار عقدين من الزمن، أكثر من كتاب نُشر باسمه، وخصها ببرنامج تلفزيوني يُعلّم الناس كيفية تحقيق الثروة، ناهيك عن إنشاء جامعة خاصة باسم ترامب.

ومع ذلك، في سيرته المهنية كرجل أعمال ما يُلقي بقدر من الظلال على حقيقة فن الصفقة. فدليله الأوّل، والدائم، على ما لديه من مؤهلات استثنائية، في مجال المال والأعمال، يتجلى في تضخيم ثروته الخاصة. وهذا مصدر صداع دائم في أوساط الاقتصاديين والمحللين الأميركيين، نتيجة الفرق الشاسع بين ما يصدر عنه من أرقام، والأرقام الفعلية كما تدل عليها مستندات وأرقام مُوثّقة.

وهذا كله ترافق مع إعلان الحرب على كل محاولة للتشكيك في حجم الثروة الشخصية. فقد طالب، في قضية خسرها، بتعويض قدره خمسمائة مليون دولار، لأن صحافياً وصف القاعة الرئيسة، في برج ترامب، بطريقة غير لائقة. وكانت ذريعته أن الوصف غير اللائق ينتقص من قيمته في السوق.

وفي دعوى لاحقة، طالب بتعويض قدره خمسة مليارات دولار من جريدة نشرت مقالة شككت في حجم ثروته، وخسر القضية، أيضاً. وفي العام 2011، على هامش القضية المذكورة، قدّر القاضي ثروة ترامب ما بين مائتين وثلاثمائة مليون دولار. وهذا الرقم، على أهميته، بعيد كل البعد عن ثروة يضعها في خانة المليارات.

بمعنى آخر، ثمة أكثر من جانب مُعتم في موضوع فن الصفقة. وقد تكون لأمر كهذا مبرراته في عالم المال والأعمال، وربما جاذبية في ظل ثقافة أميركية سائدة تعبد التفوّق. ولكن، في منطقة كالشرق الأوسط، وصراع كالصراع الفلسطيني والعربي ـ الإسرائيلي، ثمة ما يستدعي مؤهلات وخبرات إضافية.

وهذا ما يبدو غامضاً حتى الآن في رؤية ترامب لكيفية الانتقال من "عملية السلام" التعبير المحبب لدى أربع إدارات أميركية سبقته، إلى "الصفقة" تعبيره المُفضّل، وضمان أن يكون الثاني أكثر نجاعة من الأول. وبالمقارنة مع مواقف سابقة قد يتجلى فن الصفقة في صورة كابوس. فقد حلم ذات يوم بتوظيف مهارته في عقد الصفقات في مفاوضة الروس بشأن الأسلحة النووية، وعندما قيل له إنه يفتقر إلى الخبرة المطلوبة، قال إن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من ساعة ونصف يتعلّم فيها كل ما ينبغي معرفته.

ولعل في هذا، أيضاً، مبرر القلق لدى كل المعنيين في المنطقة من عرب وإسرائيليين، فلا أحد يعرف، على وجه اليقين، ما هي خارطة الطريق الجديدة لحل الصراع في فلسطين وعليها، أو حتى إذا كانت خارطة كهذه قد تبلورت بالفعل في ذهن القادم الجديد إلى البيت الأبيض وإدارته. والأهم، على ضوء ما تجلى في السيرتين المهنية والسياسية، ما إذا كان سلّم الأولويات قوياً إلى حد مقاومة الأهواء الشخصية، والتعقيدات الموضوعية، وتقلّب وانقلاب الرهانات.