قوات أمريكية في شمال سوريا.(أرشيف)
قوات أمريكية في شمال سوريا.(أرشيف)
الثلاثاء 9 مايو 2017 / 19:58

مقاربة كردية

تنامي النزعات القومية لدى رجب طيب إردوغان وترتيباته الداخلية دلالة هروب إلى الأمام للإفلات من متطلبات التعامل مع المسألة الكردية في المرحلة المقبلة

لا يخلو الجدل المثار حول هدف انتشار القوات الامريكية على الحدود "السورية ـ التركية" من ضرورة لتذكير الأتراك وحلفائهم السوريين بقرار حظر الطيران فوق الكردستان العراقي خلال حرب تحرير الكويت في بدايات تسعينيات القرن الماضي.

الخطوة الأمريكية الأخيرة جاءت بعد غارات جوية تركية على وحدات حماية الشعب الكردي سبقتها هجمات مماثلة على قواعد لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق والعوامل التي دفعت أنقرة للتصعيد العسكري ضد مواقع الميليشيات الكردية واضحة لمتتبعي المشهد الداخلي التركي فلم يزل صانع السياسة عاجزاً عن إيجاد بدائل سياسية لحزب الشعوب الديمقراطي ـ الذي انتهى قادته إلى السجن ـ مما يدفعه للبحث عن حلول قائمة على المقاربات الأمنية التي أثبتت فشلها خلال العقود الثلاث الماضية.

قراءات الرد الأمريكي على التصعيد التركي تنتهي في الغالب إلى تعارض مصلحي مع السياسة التركية في سوريا ـ مبني على دور المقاتلين الكرد في مواجهة إرهاب الدواعش ـ اضطر الإدارة الأمريكية إلى فرض قواعد جديدة تمنع استمرار المعالجات التركية القديمة المتمثل معظمها في استخدام القوة لتجفيف الروافد وتفكيك الروافع والحد من المؤثرات الخارجية ذات الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة على الحراك الكردي في تركيا من خلال تفاهمات واتفاقات مع أطراف إقليمية كما كان يحدث مع النظام السوري قبل تفاقم أزمته أو شن غارات على مواقع للمقاتلين الكرد في جبال قنديل وغيرها.

مسارات الأزمة السورية والسيناريوهات المتداولة لحلها تفتح هوامش ترجمة التعارض "الأمريكي ـ التركي" حول الملف الكردي إلى تكريس واقع ملموس على الأرض يتيح توفير الظروف الملائمة لبلورة كيانية سياسية للكرد السوريين سواء انتهى الامر إلى تقسيم سورية أو إقامة دولة غير المركزية.

في المآلات المحتملة لاتساع الحضور السياسي الكردي في المشهد السوري ما يفرض على المسؤولين الأتراك التفكير بمقاربات جديدة تتجاوز ذهنية استمرار البناء على نجاح مصطفى كمال أتاتورك في اإطال معاهدة سيفر وأوهام وأد الحلم الكردي في بدايات عشرينيات القرن الماضي لكن المؤشرات التركية لا توحي بذلك.

تنامي النزعات القومية لدى رجب طيب إردوغان وترتيباته الداخلية دلالة هروب إلى الأمام للإفلات من متطلبات التعامل مع المسألة الكردية في المرحلة المقبلة وقد تفسر شواهد الارتباك والقلق التركيين ازدواجية رؤى بعض أطراف الازمة السورية التي تبدي استعدادها للتعاطي مع فكرة الدولة اللامركزية في سوريا وتجد صعوبة في الاعتراف بحقوق قومية للكرد في بلادهم.

بطريقة فهمها للموازين الجديدة التي يحدثها تطور المسألة الكردية في سوريا وردود أفعالها عليه تفوّت أنقرة وحلفاءها فرصة للمراجعة وتجاوز التفكير بمنطقين متعارضين تجاه ملف بالغ الحساسية وربما العثور على مخرج من دائرة العاجز عن صد الضربات والمعرض لمزيد من الخسائر مما يقلص خياراتهما ويدفعهما إلى مغامرات سياسية جديدة غير محسوبة النتائج.

تنطوي حسابات وخيارات الأطراف السورية المرتبطة بأنقرة على محاكاة لأزمنة مضت وتجاهل للمتغيرات يفضي لاستمرار الهرولة وراء ثقب الاوزون التركي الآخذ في الاتساع وفي ذلك خسارة لفرص التفاهم والمصالحة والتأثير في ترتيبات أوسع لتسوية يمكنها أن تضع حداً لمعاناة السوريين.