مسيرة مؤيدة للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، في الصفة.(أرشيف)
مسيرة مؤيدة للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، في الصفة.(أرشيف)
الإثنين 15 مايو 2017 / 20:11

النكبة في حلتها الجديدة

صار قمع مسيرة تأييد للأسرى مهمة وطنية لشرطة سلطة الضفة وأمنها الوطني، مثلما صار قمع تجمع مساند للأسرى مهمة إيمانية لشرطة حماس وجهاز أمنها الداخلي في غزة

يحيي الفلسطينيون اليوم الذكرى التاسعة والستين للنكبة الأولى، وهي ذكرى لم تفقد قدرتها على تحريك الوجع والحزن في النفس رغم تكرارها الروتيني، ورغم النكبات الكثيرة المتلاحقة التي عاشها هذا الشعب المبتلي بالاحتلال والمطاردة في أرضه وفي جغرافيا شتاته منذ سبعة عقود.

ولعل ذكرى النكبة هذا العام تبدو أكثر سواداً في ظل ما أنتجته نكبات لاحقة صنع الفلسطينيون بعضها بأيديهم، حين راهنوا على النظام العربي مرة، وراهنوا على المجتمع الدولي مرات وواصلوا لعبة الرهان البائس لينتجوا قيادة تسبح بحمد أمريكا، وتلتزم بالنص التسووي باعتباره نصاً مقدساً، مثلما تقدس تنسيقها الأمني مع القتلة الذين ينفذون المشروع التوراتي على أرض لم تكن يوماً إلا فلسطينية نقية من شوائب الأساطير.

تجيء الذكرى الحزينة هذا العام في ظل ترسيخ الانقسامات بين الضفة وغزة، وبين الداخل والخارج، وبين فتح وحماس، وبين فتح وفتح أيضاً. وتجيء في ذروة التحول السياسي الذي يعتمد واقعية بلهاء تضع فتح وحماس والفصائل كافة في قاطرة الخيار التسووي الذي يستبعد مشروع المقاومة. وتعلن الحركة الأصولية التي كذبت علينا طيلة السنوات الماضية بخطاب المقاومة شطب ميثاقها واستبداله بوثيقة تعترف بالاحتلال الإسرائيلي وتعرض تقديم شرعية دينية لمشروع التحول الإسرائيلي من كيان صهيوني إلى كيان يهودي.

وتجيء في ظل إضراب عن الطعام يخوضه ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بينما تستنكف الأغلبية في الحركة الأسيرة عن المشاركة في هذا الإضراب بحكم الانقسام الذي يبدو أنه وصل إلى السجون، حيث يرفض الأسرى الحمساويون المشاركة في إضراب ينفذه أسرى فتح بقيادة مروان البرغوثي الرجل الأكثر شعبية في الشارع الفلسطيني، والأكثر وطنية في لجنة فتح المركزية التي تشكلت على مقاس مزاج رئيس الحركة محمود عباس في مؤتمرها السابع المشكوك بشرعيته، وقد سمعنا وقرأنا أيضاً أن قياديين في مواقع تنظيمية متقدمة وأعضاء في مركزية فتح لا يكتفون بمعارضة الإضراب بل يعملون لإنهائه، وربما يفسر ذلك عدم مشاركة الكثيرين من الأسرى الفتحاويين في هذا الإضراب.

تتجدد الذكرى أيضاً في ظل التصعيد المدفوع سياسياً وطائفياً ضد الفلسطينيين في دول "الربيع العربي"، ويواجه أبناء وأحفاد الذين عاشوا النكبة الأولى، نكبة جديدة في البحث عن مناطق لجوء آمنة بعيداً عن "اليرموك" في سوريا حيث يحاصرهم ويطاردهم إرهابيو "النصرة" الظلاميون و"البلديات" في العراق حيث يطاردهم إرهابيو الميليشيات الشيعية الكارهة لفلسطين.

وربما ينتهي الأمر باللاجئين الجدد، للعيش في عراء الصحراء على حدود الدول أشهراً طويلة حتى تتكرم البرازيل والأرجنتين ودول أخرى بعيدة، بالتعبير عن انسانيتها وإيوائهم في أقاصي الدنيا بعيداً عن الوطن الحلم وعن جغرافيا النبذ والمطاردة في المنطقة العربية، التي عاش الفلسطينيون بين حدودها تجارب لجوء صعبة لم تبدأ بصحراء السلوم ولم تنته بصحراء الرطبة.

منذ النكبة الأولى تغيرت أشياء كثيرة، فقد صارت فلسطين الأولى خارج نطاق الوطن، وصارت غزة خارج نطاق الحل، وصار المعارضون لأوسلو خارج نطاق المواطنة، وتحول اليساريون الوطنيون إلى ضحايا ليس للاحتلال فقط ولكن لشركائه اليمينيين في سلطة رام الله وسلطة غزة، كما سقط اليسار عندما انقلب على نفسه بالانخراط مع سلطة أوسلو والتحالف معها مقابل ضمان استمرار التدفقات المالية الصغيرة للفصائل المحكومة بواقعية منسجمة مع مشروع اليمين السياسي.

تغيرت أشياء كثيرة، وصار قمع مسيرة تأييد للأسرى مهمة وطنية لشرطة سلطة الضفة وأمنها الوطني، مثلما صار قمع تجمع مساند للأسرى مهمة إيمانية لشرطة حماس وجهاز أمنها الداخلي في غزة. وضاق الفرق كثيراً بين الاحتلال وبين السلطتين.

النكبة في حلتها الجديدة أكثر إيلاماً وأشد إحباطاً، لكن مليون نكبة لا تقتل الروح.