الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.(أرشيف)
الثلاثاء 16 مايو 2017 / 19:40

لاءات ترامب الثلاث لاحتواء ثلاثي الحرب على سوريا

ستكون درعا الجنوبية بداية تطبيق وقف التصعيد بين موسكو وواشنطن، رغماً عن إرادة النظام، بعد أن اكتشفت روسيا القطبة المخفية في اتفاق أستانة

إذا صحت الأنباء عن إصرار إدارة ترامب على إبعاد بشار الأسد من سوريا مع عشرين من رجال نظامه، فلن يكون السبب المباشر لهذا الإصرار الأمريكي هو تأكد دوائر الحكم الغربية من ضلوع النظام الأسدي في مجزرة خان شيخون الكيماوية، كون النظام لم يتوقف عن استخدام سلاحه اليائس منذ 21 أغسطس (آب) 2013، وما قبل، إلى مجزرة الخان قبل أسابيع، وما بعد، وكونه يستخدم سلاح البراميل الأشد فتكاً بشكل شبه يومي منذ سنوات، وليس موسمياً، كالسلاح الكيماوي.

"التصالح الديبلوماسي الروسي – الأمريكي" يوحي بأن الطرفين يحاولان تجنب حدوث صدام سياسي بينهما، كونهما أجبن، وأعقل، معاً، من تسخين معركة قد تنتهي باستخدام سلاحيهما النوويين. لكن ما معنى سماحهما بتسريب طرف من جدلهما السياسي حول سوريا عن طريق "مصدر ديبلوماسي غربي"، في ما يخص لقاء ترامب - لافروف في واشنطن؟

لا يوحي عدم كشف كل تفاصيل ذلك الجدل بعدم توصل الطرفين إلى اتفاق، فقط، بل بحاجتهما إلى مزيد من التذاكي على العالم، والصحافة، خاصة إذا اكتشفنا أن شيئاً مما قيل بالأمس لن يحدث قريباً.

نفترض، هنا، أن ما تم تسريبه حقيقة، مستعرضين لاءات ترامب الثلاثة: "لا سلام مع الأسد؛ لا استقرار مع الأسد؛ لا إعادة إعمار مع الأسد"، في مقابل تحذير روسيا من تكرار ما حدث في العراق، ثم ليبيا، من انهيار للدولتين بعد قطع رأسي نظاميهما.

 تجربة اللاءات الثلاث كانت كذبة في أفغانستان، وفي العراق، وفي ليبيا، شأنها شأن لاءات عبدالناصر الشهيرة في قمة الخرطوم (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض)، بعد أشهر قليلة من هزيمة 1967 أمام إسرائيل، إلا إذا اعتبرنا أن موت عبدالناصر سمح للسادات ومن بعده بنسف لاءات الزعيم عبدالناصر، دون ذنب، أو نية، من الأخير.

عودة إلى الوراء، سقطت الدول الثلاث باللاءات الثلاث الأمريكية، وأقدمها أفغانستان، التي لم تستعد كيان الدولة المنهار منذ الاحتلال الأمريكي في نهاية عام 2001. كذلك العراق منذ 2003، وليبيا منذ نهاية 2011.

لكن فرضيات بوتين ولافروف تُغفل أن روسيا ساهمت في انهيار دولة أفغانستان، كما تُغفل اليوم أن تشجيعها النظام الأسدي على تقويض الدولة السورية لمصلحة استقرار الدولة الأسدية يجعلها تعيد لعب الدور نفسه الذي لعبته في أفغانستان.

يبقى المثال الليبي، حيث لم يكن لروسيا يد في قطع رأس النظام القذافي. كما لم يكن لروسيا تأثير مباشر في انهيار دولة العراق بقطع رأس النظام الصدامي. لكن التقاطع حاصل اليوم بين إرادتي روسيا وأمريكا في ما يخص مستقبل رأس النظام الأسدي، وإن كانت المصلحة المباشرة لروسيا هي في بقاء الأسد ضعيفاً، بينما تهدف أمريكا إلى ما هو أبعد من ذلك، بالتركيز على تقويض الدولة السورية تماماً، بغض النظر عمن سيقود البلاد بعد تحقيق الرغبة الأمريكية في قطع رأس الأسد ديبلوماسياً.

في واشنطن، يبدو أن تصادم الرؤيتين الروسية والأمريكية، أو توافقهما، له ما بعده؛ فمن ناحية، لا تمتلك روسيا إمكانية فرض حل على النظام الأسدي، أو إيران، ولذلك تحاول التعاون مع واشنطن لإنضاج حل يجنب جميع الأطراف الفاعلة أي صدام بينها، فرادى، أو أحلافاً، متوخية من ذلك تجنب الصدام مع أمريكا، والخروج بأقل الخسائر من ورطتها في دعم النظام السوري. بينما ينصب الاهتمام الأمريكي على تطبيق نوع من الاحتواء للأطراف المتورطة عسكرياً في الحرب على سوريا. وهذا الاحتواء يشمل إلى النظام الأسدي، وإيران، والميليشيات، كلاً من تركيا والأكراد وداعش.

في ما يخص الدول، تستطيع أمريكا ملاعبتها جميعاً، كما حدث في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، حيث استنزفت كلاً من الطرفين، واستنزفت مدخرت دول الخليج، و"تحكمت" بحركة سعر برميل النفط بعد الصدمة النفطية الأولى في عام 1973، صعوداً وهبوطاً في مرحلة التسعينيات خاصة.

وتتضح صورة التناقض بين واشنطن وموسكو من خلال رفض إدارة ترامب لعب دور أساسي في مفاوضات جنيف، أو أستانة، مقابل صفقة حداها تنازل أمريكي يشرع الدور الروسي في سوريا، وتنازل روسي لحل المسألة الأوكرانية.

وحسب التسريب المطلع، ستكون درعا الجنوبية بداية تطبيق وقف التصعيد بين موسكو وواشنطن، رغماً عن إرادة النظام، بعد أن اكتشفت روسيا القطبة المخفية في اتفاق أستانة، حيث استغل النظام الأسدي الاتفاق لتنفيذ مزيد من التهجير وفرض مناطق تبادل ديموغرافي في محيط العاصمة دمشق من جهة الشمال، بعد أن نفذ ذلك في ريف دمشق الغربي، وفي الزبداني، وفي منطقة التل.

أما تبرير المصدر للتحركات الأمريكية في درعا، تحديداً، فمصدره عدم وجود ثقل إيراني في منطقة درعا، مدللاً على ذلك بهجمة النظام على مناطق قريبة من الحدود السورية الأردنية، وإرسال طائرة استطلاع إلى الحدود، للإشارة إلى عدم موافقة النظام على تطبيق تفاهم روسي – أمريكي يُخرج درعا من حسابات النظام.