الروائي الروسي نيكولايافيتش تولستوي.(أرشيف)
الروائي الروسي نيكولايافيتش تولستوي.(أرشيف)
الأربعاء 17 مايو 2017 / 20:19

الحرب والسلام

لم يستطع تولستوي بعد الانتهاء من رواية "الحرب والسلام" أن يعشق فكرة جديدة، لعمل جديد، غير أنه كان يدرس الحكايات والأغاني الشعبية الروسية

عاش الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي حياةً مديدة. وُلد في 1828، وتوفي في 1910. مؤلف "الحرب والسلام" كان شاهداً ومشاركاً في أحداث هامة، وانطبعتْ في أعماله، الحياة الروسية بدءاً من عصر ما قبل الحرب الوطنية 1812، وحتى نهاية أحداث ثورة 1905- 1907. كتب تولستوي لصديقته آ. آ تولستايا في 1857. عليه أن يتمزق بقوة، أن يتضارب، أن يُخطئ، وأن يبدأ ويترك، ثم يبدأ من جديد، ويترك من جديد، وعليه أن يناضل دائماً ويخسر، فالراحة دناءة روحية. سمع تولستوي كلمة "الحرب" عندما كان طفلاً، وبعد مرور السنوات كتب في يومياته عن تقاليد الأسرة والأشياء المتوارثة في تربية الشباب. كانت كل طاقاته في الطفولة موجهة إلى بطولات الصيد والحرب. وكان جد تولستوي من العسكريين، أمّا والده فقد تطوع في الجيش، وعمره 17 عاماً، واشترك في الحرب الوطنية لعام 1812. كذلك فعل شقيقه الأكبر، إذ تطوع في الجيش، واشترك في حرب القوقاز. عندما بلغ تولستوي 22 عاماً، لحق بأثرهم، وأصبح رجلاً عسكرياً، وبعد ذلك انتسب للكلية الحربية، ثم أصبح ضابطاً يُشارك في الأعمال القتالية، وحملات الجيش الروسي. كان يعترف في رسائله المرسلة من القوقاز إلى المقربين إليه، أنه ذهب إلى الحرب من أجل أن يُجرِّب شجاعته أولاً، وثانياً كي يرى ماذا تعني كلمة "الحرب" التي سمعها مراراً بين أفراد عائلته منذ نعومة أظفاره.

بدأ تولستوي في كتابة روايته العملاقة "الحرب والسلام" (1863- 1869)، بعد مرور عشر سنوات على عمله في حقل الأدب. يمكن القول إن تولستوي اجتاز في السنوات العشر فترة الإحماء والتسخين، والآن يُطبِّق آفاق الرواية بعمله الملحمي العظيم. قرأ تولستوي أثناء اشتراكه في حرب القوقاز كتاب "وصف الحرب الوطنية لعام 1812" و"وصف حرب 1813" لميخائيلوفسكي. إن عصر حرب نابليون، خاصةً الحرب الوطنية لعام 1812، جذبتْ تولستوي الذي دُهش لقلة دراسة تلك الفترة من المؤرخين، وكم هي قليلة الحقائق التي قِيلت عنها في أعمال المؤرخين الرسميين. بدأ تولستوي كتابة روايته، وهو يشعر بإلهام إبداعي، ففي رسائله لعام 1863 يقول: أكتب بشكل لم أكتب به من قبل، أكتب بكل قواي وروحي رواية عن مرحلة (1810- 1820)، وستكون رواية مطولة، تصف صفحاتها خمسين عاماً من التاريخ الروسي. يتحدث تولستوي في رسالة لزوجته عام 1864، عن الصعاب التي تقف أمامه. مصيبة أشعر بالبرودة أمام الكتابة، لا تنصاع لي الأحداث التاريخية، أشعر بفتور، وأهدئ نفسي بأن ذلك سيزول في المستقبل. ويكتب لها في اليوم التالي: أتذكر ما قلتِه لي بأن كل الأشياء التاريخية والعسكرية ستبدو غير مجدية في النهاية ما لم يظهر الجمال في شيء آخر، ربما في طباع الشخصيات النفسية.

كتبت صحيفة "بطرسبورغ" في الأيام الأولى من عام 1870. أخيراً انتهتْ الرواية الشهرية "الحرب والسلام"، لكن كثيراً من الذين يحبون الاستقصاء يسألون: لماذا تدعى هذه الرواية ب "الحرب والسلام"، فطوال ستة فصول، يصف لنا الكاتب المعارك المستمرة، إذاً متى سيحل السلام؟ يُعلق محرر الجريدة: لكن المشاهِد الأولى في صالون آنا بافلوفنا، والرسائل بين جولي كاراغينا وماريا بولكونسكايا، والغداء عند الروستوفيين، وقراءة إعلان الحرب التي تنتهي بسفر الأمير أندريه بولكوفسكي إلى الحرب، وباختصار فإن كل القسم الأول من الجزء الأول لرواية تولستوي، يصف حياة ما قبل الحرب. كتب تولستوي الملاحظة التالية على الصفحات الأولى من مخطوطة الجزء الأول: الحرب في كل شيء. تبدو عِبَارة تولستوي هنا التي تخص الحرب، شديدة القرب من أكيرا كوروساوا، بمعنى أنه ليس من الصعب تصور المخرج الياباني الكبير، وهو يضع عنواناً جانبياً على أحد أفلامه مثل "كاجيموشا" أو "ظل المحارب"، عِبَارة تولستوي "الحرب في كل شيء".

أخذتْ السنوات السبع من العمل المتواصل في رواية "الحرب والسلام"، كثيراً من صحة تولستوي. كتبت زوجته 1870. إن ليف ومنذ عدة أيام يعمل على تنظيف الحديقة بالمجرفة، وهو عمل يبدو لم يره عن بعد، حيوياً ومفعماً بالنشاط، لكن لو اقتربنا من ليف قليلاً لبدا لنا ضعيفاً كسولاً غير قادر على عمل الحديقة. لم يستطع تولستوي بعد الانتهاء من رواية "الحرب والسلام" أن يعشق فكرة جديدة، لعمل جديد، غير أنه كان يدرس الحكايات والأغاني الشعبية الروسية. كتبتْ زوجته. ليف يفكر في تأليف كتاب للأطفال في سن الرابعة.