الخميس 18 مايو 2017 / 19:31

دار التنوير تصدر ثلاثة مجلدات لأعمال الشاعر الإماراتي عبد العزيز جاسم

24- بروكسل- عماد فؤاد

صدرت عن دار التنوير في بيروت مؤخراً ثلاثة مجلدات لأعمال الشاعر الإماراتي عبد العزيز جاسم (مواليد 1962)، ضم الجزء الأول منها أعماله الشعرية تحت عنوان "الأعمال الشعرية ـ الجزء الأول"، وتضمن مجموعاته الشعرية الثلاث والصادرة حتى الآن، وهي: "لا لزوم لي" 1995، "افتح تابوتك وطر" 2010، و"آلام طويلة كظلال القطارات" 2010، فيما ضم المجلدان الآخران "تأملات ثقافية في تحوّلات العالم"، وحملا عنواني: "جحيم نيوتن" و"أثر التنادي والكلمات".

ومن الصفحة الأولى في الأعمال الشعرية لعبد العزيز جاسم، نلمح هذه اللغة المختلفة والمغايرة عما عهدناه في الشعر الخليجي، فشاعرنا الذي دشن مشواره الشعري منتصف تسعينيات القرن الماضي بمجموعته اللافتة "لا لزوم لي" (دار الجديد، بيروت 1995)، والتي كتبت قصائدها بين 1987 و1990، كان أحد شعراء الحساسية الجديدة في الشعر الخليجي، قدم إلى جوار آخرين لغة مختلفة، وطريقاً شعرياً مغايراً عما كان سائداً وقتها، ولنا هنا أن نستعيد من ديوانه الأول مجتزءاً من قصيدته "يمشّط شعر الشياطين ويغنّي"، وفيه يقول:



"أنا ليس لديّ مشكلة مع الصبر، فذات يوم تناولنا العشاء في كوكب، وتصرّفنا مع المودّة كمن يربّي الألوان في مغارة، ثم ثملنا ونمنا، وفي الصبح سدّد بندقيته إلى الشمس فأطفأها. ميِّتةٌ عملاقة، كان يقول، وكنت أحسده مليون مرّة على دقّته تلك. فالشمس ليست بالجمجمة الهيّنة التي تخرّ من طلقة واحدة".

سنوات طويلة من التوقف عن نشر الشعر عاشها عبد العزيز جاسم، فبعد صدور ديوانه الأول، لم يظهر ديوانه الثاني إلا بعد 15 عاماً كاملة، تحت عنوان "افتح تابوتك وطر" في 2010، وعلى خلاف ديوانه الأول، والذي افتتحه جاسم بمقولة للألماني فالتر بنيامين، يقول فيها: "على أقل تقدير، لا سيطرة لأحد على رجل ميت"، يفتتح عبد العزيز جاسم ديوانه الثاني بمقولة لجلال الدين الرومي: "فامض يا طير الدار، فماذا تعرف أنت، ماذا نصنع نحن طيور الماء في ذلك البحر"، وهي المقولة التي تردنا إلى عنوان الديوان ككل "افتح تابوتك وطر"، بقصائده الطويلة، ومن بينها قصيدته "أوبرا لمدينة في الطنجرة"، والمقسمة على شكل سلم موسيقي؛ "دو – ري – مي – فا".



وفي العام ذاته الذي أصدر فيه عبد العزيز جاسم مجموعته الشعرية الثانية، أصدر مجموعته الثالثة تحت عنوان "آلام طويلة كظلال القطارات"، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت 2010، وفي هذه المجموعة الشعرية الضخمة، لم يوفر جاسم جهداً في التجريب اللغوي والشعري، ولعل من أبرز قصائده الشعرية في هذه المجموعة الثالثة، قصيدته المعنونة "كناسون":

"كنسنا، يا محترم، في الفصول الأربعة. كنسنا في الصباح، والمساء، والليل، والناس نيام. كنسنا المدن والأرياف والأحياء والشوارع الخلفية. كنسنا الأرصفة والحدائق والشواطئ والشمس حارقة. كنسنا الفنادق والمنازل والقصور ومخادع النوم. كنسنا المقابر والمصارف والمخافر والمواخير وغرف حفظ الموتى. كنسنا المصانع والمزارع والمقاصب. كنسنا البلديات وبيوت الله ومقرّات الحكومة. كنسنا ركام الحرائق والمعسكرات والأحلام المعدومة. كنسنا الدم المتخثر والخوذ المثقوبة والأحذية المحروقة والأشلاء (....)
كنسنا. كنسنا كل شيء حتى أصبحنا مكانس، بل حتى أننا كنسنا أنفسنا مع المكنوسين.
ولكن، ماذا نفعل يا محترم؟
فلا هذه الطحالب تزول من على وجه المرآة
ولا أصحابها يعترفون بأنهم أكياس قمامة"!



أما المجلدان الآخران: "جحيم نيوتن" و"أثر الكلمات والتنادي"، فيتحول عبد العزيز جاسم فيهما من شاعر يكتب الشعر إلى شاعر يكتب عما يحيط به من أحداث وأفكار وهواجس، يروي ويدرس ويقدم خبراته في الحياة والكتابة بصوت هامس، بعيداً عن التنظير الفج الذي تعودناه في مثل هذه الكتابات.