مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا.(أرشيف)
مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا.(أرشيف)
الأحد 21 مايو 2017 / 20:00

بيعة للشيطان في دهاليز الظلام

ما تحتاجه هذه الفتوى هو مكر، تدليس، ليّ للنصوص، معاريض، وربما كذب

حين كتبت عن اللجنة الشرعية في دهاليز الظلام الأسبوع الماضي، كنت أعي حجم التدليس الذي يمكن أن يسوِّغ ويبرّر موضوع البيعة عند الإخوان، فأنا أدرك أن موضوعاً خطيراً مثل البيعة، يحتاج أكثر من مجرد اجتهاد فقهي.

ما تحتاجه هذه الفتوى هو مكر، تدليس، ليّ للنصوص، معاريض، وربما كذب، ولا يمكن بأي حال من الأحوال لأي من هذه الأشياء أن تكون شرعية، حتى لو كانت أدوات في أيدي ما يسمى باللجنة الشرعية.

الاستناد على السيرة النبوية، وعلى حادثة بيعة العقبة تحديداً، وتحويل مصطلح "النقباء" إلى مصطلح حزبي سري أمر قد يكون لعباً لغوياً أكثر منه شرعياً، لكن ما كان يحيرني فعلاً وأنا أبحث في حيثيات المرجعية الأصولية والفقهية للاستناد على النصوص الشرعية والسيرة النبوية هو أن بيعة العقبة الثانية التي منحها الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم صرخ بعدها الشيطان منبهاً كفار قريش.

هل سأل الإخوان أنفسهم وهم يمارسون هذا الفعل على مدى عقود في دهاليز الظلام، لماذا لم يصرخ الشيطان؟ الجواب ببساطة هو أن البيعة كانت أصلاً للشيطان فلماذا يصرخ؟

قادني تكفير حثيث خلال الأيام الماضية، واستنزاف عميق للذاكرة، ومتابعة الجزء الثاني من "دهاليز الظلام" إلى استنتاجات كثيرة.
أولها أن العمل في تنظيم الإخوان المسلمين أشبه ما يكون بمتاهات مظلمة تتداخل فيها أدوار اللجان الشرعية بالمؤلفات والكتابات الحركية، وتتحرك فيها الممارسات السلوكية متأثرة بتوجيهات منظري ومؤسسي ودعاة الفكرة، وتنبع كل الأطروحات – مهما تنوعت وتلونت – من مبدأ الحاكمية.

ثانيها استغلال المعاريض – أو فلنسميها باسمها الحقيقي – إباحة الكذب هو المدخل الحقيقي لتسويغ البيعة عند المستقطبين للتنظيم. وأنا أجزم أن كل مستقطب للجماعة في أيامه الأولى قد سأل عن موضوع البيعة، وأؤكد أنه وجد إجابة حاسمة بأن ما يسمعه من "خصوم الجماعة وأعداء الحق" ليس صحيحاً، أو أن البيعة ألغيت. لكنه حين يدخل الكهف ويتقدم في النفق وتحتلك الظلمة حوله يجد من يمد يده له: أن بايع.

ثالثها: مبدأ التدرج الذي عملت عليه اللجان الشرعية في التنظيم يتفق مع أهداف التنظيم وأجندته السرية، فما بين الإنكار الأول لارتباط "جمعية الإصلاح" بتنظيم الإخوان المسلمين، وبين أخذ البيعة للتنظيم، مراحل متدرجة وممنهجة ومدروسة، مورست على مدى سنوات، ونظّر لها مفكرو التنظيم، وربما شياطينه.

رابعها: عملت اللجان الشرعية جنباً مع جنب مع اللجان التربوية على ترسيخ موضوعات مثل: رابطة الأخوة الإسلامية، كدر الجماعة ولا صفو الفرد، الاهتمام بأمر المسلمين، خدمة دين الله، مبدأ السرية، الانعتاق من جاهلية المجتمع. هذه الموضوعات التي شخصنت من طبيعة العلاقة بين الفرد والتنظيم، وجعلت منها التزامًا قائمًا على مبدأ العلاقة الاجتماعية، ومن ثم يصبح تراجعه عند البيعة إخلالًا بالعقد الاجتماعي وتنكُّرًا للذكريات الجميلة.

خامسها: الربط الممنهج بين التنظيم والإسلام، ربط أشبه ما يكون بالاحتكار، وتلازم أقرب إلى الحصر. والتأمل في أركان البيعة العشرة كما وضعها البنا، يجد أن الثقة في منهج الله صرفت إلى الثقة في توجيهات الجماعة، وأن الفهم ليس فهم الدين وإنما فهم الجماعة، والعمل والإخلاص والجـهــاد و التضحية ليست في مجال الوظيفة أو خدمة الوطن بل للجماعة، والطاعة ليست لولي الأمر الشرعي بل للتنظيم.

استقراءات مؤلمة، لكنها في المحصلة تقود إلى تساؤل واحد: في شرع من سميت هذه اللجنة "شرعية"!!!