وقفة تضامنية مع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام.(أرشيف)
وقفة تضامنية مع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام.(أرشيف)
الإثنين 22 مايو 2017 / 19:23

ما الذي حدث يوم الأحد؟

سلام للذين يواجهون بأمعائهم الخاوية حقارة العدو وعهر المرحلة

يصحو من نومه المتقطع بعد الفجر بقليل، ينهض من سريره بتثاقل، ويجر خطاه إلى المطبخ ليبدأ النهار برائحة البن.

كعادته، يشرب قهوته صامتاً ووحيداً في عتمة الصالون الصغير المؤثث بما يكفي من صور الأحبة الغائبين الذين توزعوا بين العواصم. يشعل لفافة التبغ الأولى، ويسحب منها نفساً طويلاً يوقظ رئتيه من سباتهما الليلي، وتشعره أوجاع الظهر والساقين وذلك الصداع الصباحي الخفيف بأنه ما زال حياً. يشكر أوجاعه، ويعود إلى قهوته وسجائره ليواصل الصحو.

إنه يوم الإثنين، ولا شيء تغير في الدنيا. نشرات الأخبار التي تقرؤها مذيعات يجهدن في التبسم تؤكد أن لا شيء يستحق المتابعة، ولا شيء يستحق الاهتمام.

يخرج من العالم الافتراضي على شاشة التلفزيون ليعود إلى عالمه الواقعي الصغير، ويتناول حبة الدواء التي تنظم ضغط الدم، ويسأل نفسه مثل كل صباح: ما الذي يعنيه انتظام ضغط الدم، ولماذا ينبغي أن يكون دمي منظماً ودماء الآخرين تسفك بفوضى قاتلة في بلاد تعيش ربيعها الطويل!

إنه يوم الإثنين، والورقة التي يقطعها من الروزنامة، ورائحة البن وحبة دواء الضغط وأوجاع الظهر والساقين والصداع الخفيف وعتمة الغرفة المسدلة الستائر تؤكد أنه ما زال حياً.. هنا، وأن عليه أن يبدأ يوما جديداً، يقطع ورقته الصغيرة من الروزنامة غداً.

لا بأس، يقول لنفسه وهو يرشف من فنجان القهوة، هذا يوم جديد، لكن ما الذي حدث أمس؟

لا تسعفه الذاكرة المشوّشة، بالنوم وبالهم، ويرى صفحة بيضاء تماماً! لم يحدث شيء أمس. ورقة يوم الأحد مقطوعة من الروزنامة، ومن العمر!

يشعل سيجارة أخرى، ويجهد في العودة إلى يوم الأحد. لا يتذكر شيئاً، لا شيء على الإطلاق. يتناول هاتفه الجوال ويبحث عن مكالمات الأمس.

لا سجل مكالمات ليوم الأحد، وآخر مكالمة واردة كانت قبل منتصف ليلة السبت.

يسأل نفسه: هل أخذ أحد مكاني في الحياة يوم أمس؟ وهل كان غابريل ماركيز يعنيني أنا وليس بطل روايته بقوله: "في يوم أحد يضج بنواقيس العيد، عاد فلورنتينو أريثا إلى المدينة، ودلته ابتسامته التائهة إلى أن أحداً آخر قد احتل مكانه في هذه الدنيا"!

فليذهب أمس إلى الجحيم، أنا هنا الآن، ولا حاجة لي بيوم مضى، أو لم يمض، أو سقط سهواً من الروزنامة.. ومن العمر.

وماذا لو سقط الأسبوع أو الشهر.. يواصل السؤال، لا شيء مهم، وتكفيني قهوتي وتبغي وحبة الدواء وأوجاع الظهر والساقين والصداع الخفيف لأطمئن إلى أنني اليوم هنا، في شرق المتوسط، حيث البلاد لها جهات أربع، ثلاث منها يمين، وواحدة صغيرة وضيقة لليسار. يوقظ ذاكرته الغائمة، ويستعيد آخر اتصال هاتفي ليلة السبت. جاءه الخبر، فشعر بوخز في الصدر.. وغاب.

في البعد، تشتد الصدمة، ويتضخم الحزن، وتضيق الشرايين بتخثر الهم والشوق والحنين.. وتسقط الأيام من روزنامة الصحو، لتضيع في الغيبوبة.
ما الذي حدث يوم الأحد؟ ليس مهماً ما حدث أمس، أو الشهر الماضي أو قبل ألفي سنة مما يعدون تاريخاً مجيداً. المهم أنني الآن هنا أظل حياً بطاقة الحب، تظللني سماء بيضاء تغطي يسار البلاد التي أحب، وقد فقدت الكثيرين ممن أحب فصرت أمت كثيراً لهذا التراب.

سلام على البلاد، وسلام على شهدائها، وسلام للقابضين على جمر الفقر والصبر، وسلام للذين يواجهون بأمعائهم الخاوية حقارة العدو وعهر المرحلة.