من رسوم عادل السيوي.(أرشيف)
من رسوم عادل السيوي.(أرشيف)
الإثنين 22 مايو 2017 / 19:19

حيوانات عادل السيوي

علنا هكذا نجد في مديح الحيوان مديحاً للطبيعة والجمال الطبيعي. ابتعاد السيوي عن الحيوانات الضارية هو في نفس الوقت بعد عن الإنسان الذي يظهر في لوحاته متألّهاً متصنّماً متعالياً

يملأ عادل السيوي، الفنان المصري البارز ثلاث صالات بلوحاته التي أمضى بضع سنوات في تأليفها، وكعاداته لا ينتقل السيوي من معرض إلى معرض فحسب. بل ينتقل إلى موضوع جديد هو بحد ذاته اختبار جديد. ولنقل أكثر من ذلك. السيوي ليس كبورتريتاته وتلك ليست كفانتازياته، فالسيوي فنان لا يستقر على أسلوب واحد والأرجح أنّ رؤاه نفسها تتبدّل. ما لا يتبدّل في فنّ السيوي، أو ما لا يتبدّل كلياً هو تأملّ السيوي، هو نظرته لمشهده، نظرة هادئة ولنقل، إنّها تتمتّع بشيْ من الحياد. بشيء من التفلسف. بل بشيء من اللعب، بشيء من الحوار بين الفنّان ومشهده، أو الحوار بين الفنّان و متلقيّه، فالسنوات الست التي أمضاها الفنان وهو يشتغل في موضوعه، لم تكن سوى نقلات عدّة بنفس العين ونفس النظرة التي في النهاية تملك نفس الخطاب الذي يزداد من لوحة إلى لوحة، وضوحاً وتتعمّق نبرته وتتضّح أكثر فأكثر عبرته ورسالته، نعم رسالته فإنّنا لا نملك تجّاه فنّان كالسيوي إلاّ أن نشعر أنّ هذا المعرض ذو الثلاث حلقات لم يكن كذلك حباّ بالتكثّر أو بالتزيّد، ولكن استرسالاً في الإيقاع وبناءً سيمفونيّاً يعلو ويهبط ويسلس ويحتدّ ويصل إلى ذرى بقدر ما يتساقط إلى أطراف، فالمعرض بحلقاته الثلاث ينقل بلغة قوامها الحيوان رسالة قد يصحّ القول إنّها إنسانويّة.

لا محلّ هنا للمقابلة بين الإنسان و الحيوان، فلا محلّ لكليلة ودمنة أو ميكي ماوس. ليس القصد ترجمة درس أخلاقي إلى رموز حيوانيّة. ليس الحيوان هنا مجرّد كناية أو إستعارة. إنّه موجود بنفسه أيضاً، موجود بخطوطه وألوانه، أو بما يوحي به من خطوط وألوان. إنّه ليس سوى نفسه أوّلاً. الحيوان موجود هنا بحب. إنّه يغوي ويفتن، سواء أكان ذلك بشكله أو حركته أو نظرته أو أوضاعه أو حضوره بشكل عام. إنّه هنا في أحيان كثيرة مع الإنسان. الأمر الذي يجعلنا نتعرّف على الإنسان في حضور الحيوان لا العكس، مع أن العرف والسائد أن يكون الحيوان في حضور الإنسان، أن يكون الإنسان هو المركز وهو المتصدّر. في لوحات عادل السيوي لسنا في التقليد ولا العرف. لا يحتاج السيوي إلى انقلاب مدوّ ليفعل العكس. إنّه يفعله بهدوْء، يحتاج الأمر منه إلى أن يدير ريشته إلى الجهة الأخرى ليغدو الإنسان أقرب إلى أن يكون منصوباً كتمثال من صخر، جامداً ومنحوتاً ومتحجّراً، الإنسان يبدو رياضياً وكأنّه في الحلبة. يبدو كذلك تمثالاً يونانيّاً. إنّه وثن منصوب، معبود تاريخي إن لم يكن أركيولوجيّاً. إنّه الآن الطوطم لا الحيوان الذي يبدو وقد رالت عنه كلّ هالة أسطوريّة أو لغز طوطمي.

يبدو الحيوان في معرض السيوي جدّ طبيعيّ. إنّه ليس مستغرقاً في حيوانيته ولا متوحشاً ولا عدوانياً ولا مرعباً أو مخيفاً. وبالطبع ليس قاتلاً أوسفاّحاً، لن نسمع له زئيرً أو هريراً، ولن نرى له أنياباً مسنونة ولن نراه أثناء الصيد وهو يمزّق فريسته ولا فمه وهو ملطّخ بالدماء، كذلك لن نشهد الإنسان في مشهد صيد، فليس الحيوان مخرّضاً على الصيد وليس هذا المشهد الذي طالما أغوى المصورين و اقترن بالحيوانيّة نصب عين الفنان. هذه المعركة بين الإنسان والحيوان ليست غرض السيوي.هكذ الا نجد في لوحات السيوي عنفاً. إن حيواناته جميلة وفيها افتتان بالجمال الحيواني بقدر ما فيها من تكريم للحيوان. فهذا المعرض الحيواني هو بدون شك، افتتان بالحيوان شكلاً وطبيعة، ولعل من الممكن ملاحظة أنّنا لا نجد بين حيوانات السيوي أسداً كما نفتقد في معرضه الحيوانات الضارية. لعلنا هكذا نجد في مديح الحيوان مديحاً للطبيعة والجمال الطبيعي. ابتعاد السيوي عن الحيوانات الضارية هو في نفس الوقت بعد عن الإنسان الذي يظهر في لوحاته متألّهاً متصنّماً متعالياً، لعلّ الإنسان هو البديل عن الضواري الغائبة عن المعرض.