الزعماء والقادة في القمة الإسلامية-الأمريكية في الرياض. (أ ف ب)
الزعماء والقادة في القمة الإسلامية-الأمريكية في الرياض. (أ ف ب)
الثلاثاء 23 مايو 2017 / 20:27

قمم الرياض ترسم خارطة الطريق لمستقبل المنطقة

الفرصة سانحة لأمريكا، في نقض تاريخ أوباما، حينما راهن- بسوء التقدير- على إيران، ما أدى إلى ارتفاع وتيرة الاضطرابات والصراعات

لا عجب أن يستهل الرئيس ترامب أولى جولاته الخارجية بالسعودية، لكي يلتقي بالعاهل السعودي لتوطيد العلاقات التاريخية على أسس الشراكة والتعايش، ما يؤكد كون المملكة مهبط الديانات، وقبلة المليار مسلم، وأقدس بقاع الأرض وأطهرها. فإن جلَّ العالم العربي والإسلامي يحترم القرارات الصادرة، وتشكيل شراكات جديدة من أجل تعزيز مصلحة شعوب المنطقة، وذلك لما تشكله مكانة السعودية لكونها مهبط الوحي والعروبة، وما تمثله من قيمة رمزية وروحية للعرب ولجميع المسلمين، والتي تهدف إلى قيام تحالف بين الأمم بهدف التخلص من التطرف واستشراف المستقبل، ومواجهة مختلف التحديات وتثبيت أسس السلم والأمن والاستقرار.

قمم ترامب الثلاث بالرياض ترسم خارطة الطريق لمستقبل المنطقة، بل تمثل منعطفاً تاريخياً نحو تحالف شرق أوسط جديد، يفتح آفاقاً أرحب لمستقبل العلاقات الأمريكية، ولتوطيد العلاقات التاريخية على أسس الشراكة والتعايش. وهذه القمم الثلاث بالرياض التي جاءت بناءً على دعوة من خادم الحرمين الشريفين، وشارك فيها قادة وممثلون لـ 55 دولة عربية وإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تهدف أساساً إلى نشر الاعتدال وإشاعة مفاهيم السلم والحوار، وتأكيد الدّول العربية والإسلامية إنها ضد الإرهاب بكل أشكاله، وأنها ترغب في تجفيف منابعه، وتجديد عزمها كشركاء على مواصلة التصدي للتطرف.

كما تؤكد ذلك باستمرار دولة الإمارات العربية المتحدة، وقيادتها الرشيدة، التي ترى أن الأمن العربي والإسلامي كما الخليجي، كلٌّ لا يتجزأ، فالإصلاح الشامل في إطار الدولة الوطنية هو الملاذ الوحيد لمواجهة التهديدات المتصاعدة في المنطقة، مع تشعُّب التحديات وتداخلها، وكثرة العناصر المؤثرة فيها؛ وخاصة ما تتعلق بقضايا الأمن القومي العربي، والسلم والتنمية والحرية، في ظل أوضاع إقليمية متفاقمة، وتطورات دولية متسارعة.

ولا عجب أن يستهل الرئيس ترامب أولى جولاته بالسعودية، لكي يلتقي بالعاهل السعودي، وأن تحقق هذه اللقاءات الحلول الناجعة لقضايا الأمن والاستقرار، والبناء للمستقبل، وأن تقف هذه الحروب المؤلمة، والعدوان الغاشم الذي تتزعمّه إيران على الدول العربية، وتغلغل الفتنة الطائفية في هذه البلدان، مما أثر على النسيج المجتمعي واللحمة الوطنية، لانتهاجها العنف المسلح كحل أخير يائس لتغيير المجتمعات.

الفرصة سانحة لأمريكا، في نقض تاريخ أوباما، حينما راهن- بسوء التقدير- على إيران، ما أدى إلى ارتفاع وتيرة الاضطرابات والصراعات وتنامي التنظيمات الإرهابية، وإنتاج ثقافة الكراهية. وعندما تجاوزت هذه الأنظمة الإجرامية الإرهابية الحدود واخترقت المنظومة الآمنية لدول العالم، لم يعد تهديدها قاصراً على محيطها الجغرافي، بل تعدى ذلك إلى باقي دول المنطقة.

وبعدما أكد ترامب أن رؤية بلاده تتمثل في سلام وأمن ورخاء هذه المنطقة وجميع أنحاء العالم، وتهدف إلى تحالف الأمم والشعوب المشاركة بهدف التخلص من التطرف واستشراف المستقبل، كان ضرورياً الإسراع في بلورة استراتيجية شاملة تغير النظام العالمي القائم على تحالفات غير مستقرة، فالتحدي الحقيقي في بلورة سياسة أمريكية عادلة تجاه الشرق الأوسط تقوم على الإنصاف والشراكة الإنسانية، وهو شرط من شروط حماية الأمن وبناء التنمية والرفاهية.

محطة مفصلية حاسمة، حينما أخدت السعودية على عاتقها زمام المبادرة لتعلن عن صياغة الكثير من المحاور الهامة، بكل شفافية ومصداقية عالية من أجل تأسيس مفهوم مشترك عن منظومة الأمن والأمان والسلام، والتسامح، لاسيما لإتخاذها خطوات جريئة جديدة لتعزيز السلام. وكانت سابقة هي الأولى من نوعها، حينما استضافت الرياض ثلاث قمم يحضرها الرئيس ترامب. وفي ختام قمة الرياض، صدر "إعلان الرياض" الذي نص على تشكيل قوة من 34 ألف جندي لمحاربة الإرهاب وقيام تحالف "الشرق الأوسط الاستراتيجي" رسميا العام المقبل، كما عبر فيه القادة المشاركون عن التزامهم بمكافحة الإرهاب والتصدي لجذوره الفكرية وتجفيف مصادر تمويله، بالإضافة إلى بناء مركز دولي يعزز الوسطية، وهو "المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف" وتحصين الأسر والمجتمعات ومقارعة حجج الإرهابيين الواهية، وهي لعنة التطرف عندما تشعل حرائق التعصب الدينى وتفسد السياسة وتنشر الفتن، لأن التطرف يولد الإرهاب، فالأهداف الاستراتيجية للمركز محاربة التطرف فكرياً وإعلامياً ورقمياً، وكان لابد من تعزيز التعايش والتسامح بين الشعوب.

قمة ترامب بالرياض محطة مفصلية وحاسمة، لتحقيق النجاح المنشود، ومحاولة لرسم خارطة الطريق لمستقبل المنطقة، وتغيير لقواعد اللعبة بل إنها تحمل رؤية فاعلة وموحدة لمشروع حضاري واعٍ لمقتضيات العصر وتغيراته، وهذه القمة محاولة لبعث واقع سلمي في المجتمعات المسلمة مضاد لتيار العنف المسلح والطائفية المقيتة والتطرف، بإيجاد آليات لفض النزاعات ووضع حد للنزيف الذي هدد مستقبل أمتنا العربية والإسلامية.