خريطة انتشار داعش في سوريا في أبريل 2015. (عن وزارة الدفاع الأمريكية)
خريطة انتشار داعش في سوريا في أبريل 2015. (عن وزارة الدفاع الأمريكية)
الثلاثاء 23 مايو 2017 / 20:11

توابع زلزال داعش في مسلسل حرب السيطرة

أمريكا، وروسيا، وإيران، وتركيا، متفرقات، مهما قاتلوا التنظيم فلن يستطيعوا القضاء عليه، خاصة أن الشكوك قائمة في غايات هذه الدول في سوريا، وفي ارتباط غايات داعش الذي نبق من تحت الأرض

لكل زلزال تابع، أو توابع، قد تكون شدتها من شدة الزلزال، أو أقل غالباً. غير أن التنبؤ بها أكثر صعوبة من التنبؤ بالزلزال نفسه.

وزلزال العصر هنا، في العراق وسوريا، يتمثل في داعش الذي يتنقل من منطقة إلى أخرى، زارعاً توابعه في كل منطقة يُهزم فيها، أو ينسحب منها.

فالتاريخ القصير للتنظيم أثبت أنه غير مهتم بالتمسك بالأرض، اضطراراً، يتنقل من منطقة إلى أخرى، من شمال وشرق حلب، ومن إدلب، ومن الموصل، وربما الرقة قريباً، إلى البادية ما بين حمص وحماة، وفي اتجاه تدمر، تاركاً لطيران التحالف، والطيران الروسي، مهمة حراثة الأرض بذخيرة الطيران، منشغلاً بمهمة المطاردة والكر والفر مع "قوات سوريا الديمقراطية"، أو مع قوات النظام الأسدي.

تشذ عن هذه القاعدة حال التنظيم في شرق مدينة السلمية، هذه الأيام، حيث لا مصلحة للنظام الأسدي في نشر جيشه، أو حتى ميليشياته، هناك، على الطريق الواصلة ما بين الرقة وحمص.

وتتواتر أخبار عن قصف داعش للسلمية، وقرى أخرى، منذ الخميس الماضي، بصواريخ كاتيوشا، وغراد، ما أدى إلى قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. بينما تناقلت صفحات على فيس بوك أخبار جنود النظام وهم يستغيثون طلباً للماء والطعام.

أما في الموصل، فلا يبدو أن المعركة ستنتهي، رسمياً، أو بشكل غير رسمي، قبل بداية شهر رمضان، حسب تمنيات الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي، فاستعادة آخر 12 كيلومتراً يسيطر عليها داعش في شرق الموصل قد تستغرق أكثر بكثير من المقدر لها. وحتى بافتراض أن التقديرات قريبة من الواقع في ما يتعلق بالزلزال، فمن المتوقع أن تكون توابع زلزال داعش في الموصل أكثر صعوبة في الضبط من الزلزال نفسه.

حدث ذلك في عين العرب – كوباني، بعد انفضاض المعركة الطويلة نسبياً. وحدث في كل من جرابلس، ثم منبج، وتل أبيض، بعد السيطرة عليها. وسبب احتفاظ الزلزال ببعض القوة لتوابعه يأتي من يأس التنظيم من استمرار سيطرته على هذه المدن الطرفية الصغيرة نسبياً مقارنة مع الموصل والرقة. ولذلك نتوقع أن تكون ضربات توابع داعش فيهما متناسبة مع حجم خسارتهما، سواء طالت معركة الموصل، أو قصرت معركة الرقة.

ففي الموصل، وبعد أكثر من سبعة أشهر، أصبحت المعركة الرئيسية في حكم المنتهية بهزيمة التنظيم، دون المجازفة بالقول إن التنظيم انتهى فيها تماماً، كون الحديث لا يتم عن مدينة الموصل فقط، حيث للتنظيم امتدادات تتصل بثلاثة دول تتشاطر الحدود مع العراق، هي سوريا، والأردن، والسعودية. وإخراج التنظيم من إحدى المدن لا يعني ذوبانه في البوادي والصحارى المشتركة بين الدول الأربع، بل كمونه في هذه المناطق التي تقسم صحاراها خطوط هندسية لا موانع طبيعية فيها.

ومن حيث الجغرافيا، قد يبدو صعباً على التنظيم التحصن في أي بقعة من هذه المنطقة الشاسعة التي قد تتجاوز مساحتها 200 ألف كيلومتر مربع (مساحة الأنبار وحدها تبلغ 138.5 ألف كيلومتر مربع)، لكن الطبيعة السهلية لهذه المنطقة تفرض صعوباتها أيضاً، بمعنى أن عدم استقرار التنظيم لا يوفر لأي قوات مهاجمة إمكانية تحديد نقطة معينة يمكن فيها حصار التنظيم تمهيداً لمحاولة القضاء عليه.

كما يسيطر التنظيم على مساحة تتجاوز نسبتها ثلث مساحة سوريا، أي ما يزيد على 60 ألف كيلومتر مربع، على الرغم من تغير خريطة سيطرته وفق قوانين حرب السيطرة. هذا عدا عن إمكانية التسلل إلى الأردن، أو العراق، ومنهما إلى السعودية، وربما أبعد من ذلك في اتجاه دول خليجية أخرى.

ووفقاً للاستراتيجيات المتبعة من أعداء داعش الكثيرين، لن تفضي هذه المعارك سوى إلى إعادة انتشار التنظيم. وربما لن يفلح سوى النظام الأسدي في تحقيق أهدافه، من حيث أن وجود داعش وأخواته يوفر له البرهان على نظرية "العصابات الإرهابية".

أما أمريكا، وروسيا، وإيران، وتركيا، متفرقات، فمهما قاتلوا التنظيم فلن يستطيعوا القضاء عليه، خاصة أن الشكوك قائمة في غايات هذه الدول في سوريا، وفي ارتباط غايات داعش الذي نبق من تحت الأرض محققاً دوراً وظيفياً تحتاجه كل هذه الدول متفرقة. وطالما ظلت هذه الدول تحارب داعش باستراتيجيات منفصلة ستظل هذه الفرضية غير باطلة.

ومع التمييز أخلاقياً، على الأقل، بين القوى الكردية وداعش، نلحظ أن المتغير الكردي يفعل فعلاً مكافئاً في تفرق أجندات الدول تجاه داعش، بوجود الثابت التركي المعادي للطرفين المتعاديين.

ففي معركة الرقة، فشل أردوغان في زيارته الأخيرة لواشنطن في سحب الثقة الأمريكية بالأكراد لمصلحته كحليف أطلسي، ما يعني أن أنقرة لن تجازف بأكثر من استمرار تدريبها لعناصر من الجيش السوري الحر للزج بهم في معركة الرقة، دون تدخل مباشر منها كما حدث في جرابلس، أو ما يمكن أن يحدث في سرمدا ومنطقة حارم، شمال إدلب، أي أن حظوظ مشاركة تركيا في معركة الرقة كبديل من الأكراد تراجعت، أو تلاشت.

أما "الناتو العربي" لمكافحة الإرهاب والتطرف الذي سيبدأ إنشاؤه في عام 2018، فيؤشر أن داعش وأخواته انتزعوا اعترافاً عملياً بخطرهم المديد، ما يعني وضع "استراتيجية جديدة لمجابهته، عسكرية وفكرية"، حسب بيان أصحاب الفكرة.

أما أنصار حلف الممانعة فيتكلمون على "حلف بغداد" جديد، ويراهنون على إسقاطه كما حدث لسلفه في خمسينيات القرن العشرين، مستشعرين خطر حلف "الناتو العربي" عليهم، ومعترفين أنهم الوجه الآخر لداعش وتوابعه.