سيلفي غولار، وزيرة القوات المسلحة الفرنسية.(أرشيف)
سيلفي غولار، وزيرة القوات المسلحة الفرنسية.(أرشيف)
الأربعاء 24 مايو 2017 / 19:48

وزيرات للدفاع!

لم يعد "الدفاع" بحاجة إلى "الرجولة". إنّه وظيفة مثل الوظائف الأخرى في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وفي تنفيذ إرادة الشعب ممثّلاً بناخبيه

الذكوريّون المتشدّدون يكرهون رؤية المرأة خارج منزلها. إنّهم يفضّلون أن يروها وهي تتنقّل بين المطبخ وغرفة النوم فحسب. تربّي الأطفال وتطبخ لهم وللزوج. في أحسن الحالات، يمكنها أن تقف "وراء" رجل عظيم. أن تلهمه. وطبعاً أن تلده.

لكنّ أكثر ما هو مكروه في المرأة أن تتولّى وظائف ومواقع يُفترض أنّها حصريّاً للرجال، أي تلك التي تلزمها القوّة و... الرجولة! هل يمكن مثلاً أن نتخيّل امرأة وزيرة للدفاع، توجّه الأوامر للقوّات المسلّحة؟ فهي ممثّلة "الأنوثة". وهي عاطفيّة، تلهو وتلعب وتغنج، والبعض يضيف: تحيض.

وهذه، بطبيعة الحال، حجّة متناقضة ذاتيّاً، فضلاً عن كونها قليلة البراءة: ففيما تُستخدم "أنوثتها" لسدّ الطريق الاجتماعيّ والإنتاجيّ عليها، يُستخدم نزولها إلى العمل للتشكيك بأنوثتها وإدانتها بسبب "استرجالها".

مؤخّراً، مع تسمية سيلفي غولار وزيرة للقوّات المسلّحة في حكومة إدوارد فيليب في فرنسا، ظهر من يذكّرنا بالوقائع الدامغة التالية:

فيديريكا موغيريني هي الممثّلة العليا للسياسات الأمنيّة (وكذلك للشؤون الخارجيّة) في الاتّحاد الأوروبيّ. موغيريني سبق أن شغلت وزارة الخارجيّة والتعاون الدوليّ في بلدها إيطاليا خلال 2014، إبّان عهد حكومة ماتِيو رنزي. أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع في ألمانيا منذ 2013، وهي أوّل امرأة تحتلّ هذا المنصب في بلدها. جيانين هانّس بلاسشايرت، وزيرة الدفاع في هولندا منذ 2012. روبرتا بينوتّي، وزيرة الدفاع في إيطاليا منذ 2014. ماريّا دولوريس كوسبيدال، وزيرة الدفاع الإسبانيّة، وأيضاً الأمينة العامّة لـ "حزب الشعب" المسيحيّ الديمقراطيّ.

السيّدات الوزيرات ينقسمن على الخطوط السياسيّة والإيديولوجيّة نفسها التي تنقسم عليها أكثريّات السكّان في بلدانهنّ. إنّهن لسن "حزب نساء". موغيريني وبينوتّي تنتميان إلى "الحزب الديمقراطيّ" في إيطاليا، وهو في "يسار الوسط". هانّس بلاسشايرت من "حزب الشعب للحرّيّة والديمقراطيّة" الهولنديّ، وهو في "يمين الوسط". كذلك كوسبيدال، المسيحيّة الديمقراطيّة الإسبانيّة، والألمانيّة فون دير لاين، العضو في "الاتّحاد المسيحيّ الديمقراطيّ". أمّا الفرنسيّة غولار فتنتسب إلى حزب "الجمهوريّة إلى أمام" الوسطيّ الذي أسّسه مؤخّراً الرئيس إيمانويل ماكرون.

ولطمأنة القلقين على الأنوثة، والمتخوّفين من "الاسترجال"، فإنّ الوزيرات الستّ كلّهن جميلات وأنيقات ولطيفات!

غنيّ عن القول إنّ اثنين من أكبر بلدان أوروبا تحكمهما اليوم نساء: أنغيلا ميركل في ألمانيا وتيريزا ماي في بريطانيا. امرأة أخرى هي هيلاري كلينتون كادت أن تحكم الولايات المتّحدة الأمريكيّة. حتّى حزب رجعيّ وذكوريّ، بل عنصريّ، كـ "الجبهة الوطنيّة" الفرنسيّة، صار من الممكن أن تقوده امرأة هي مارين لوبن.

ذاك أنّ البلدان المتقدّمة حتّى لو تخلّفت في أوجه كثيرة، فإنّ أكثريّاتها الكبرى حسمت مسألة المشاركة النسائيّة في السياسة. هكذا، وبعد تجربة الحكومة الكنديّة، رأينا الحكومة الفرنسيّة تنقسم مناصفة بين الرجال والنساء.

ومثلما تغيّرت النظرة إلى المرأة، وهو تغيّر لا يزال يمضي لاستكمال المساواة، كذلك تغيّرت النظرة إلى "الدفاع" ووزارته. فالبلدان المذكورة لم تعد بلدان حروب. أمّا سياساتها فتنزاح على نحو تدريجيّ وتصاعديّ معاً باتّجاه "اللعب"، أي المنافسة بين وجهتي نظر تتعايشان ولا تفني واحدتهما الأخرى.

في هذا المعنى، لم يعد "الدفاع" بحاجة إلى "الرجولة". إنّه وظيفة مثل الوظائف الأخرى في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وفي تنفيذ إرادة الشعب ممثّلاً بناخبيه.

قياساً بتلك التحوّلات التي تضرب المعاني والوظائف، لن يكون من المبالغة أن نسأل الذكوريّين المتزمّتين عندنا: في أيّ المجالات ستصرفون ذكوريّتكم مستقبلاً؟ فهم قد لا يجدون سوقاً لهذه العملة الزائفة.