ملصق فيلم "عش حراً أو من بقسوة".(أرشيف)
ملصق فيلم "عش حراً أو من بقسوة".(أرشيف)
الأربعاء 24 مايو 2017 / 19:43

المزاد الناري

تقاليد هوليوود الكلاسيكية الصارمة، سريعاً، ومنذ بداية الفيلم، وعلى تتراته، لا بد أن يحدس المُشاهِد بمسار الفيلم كله

يسأل الهاكر ماثيو الشرطي جون ماكلين في فيلم "عِشْ حراً أو مُتْ بقسوة"، الجزء الرابع، 2007، للمخرج الأمريكي لين وايزمان: لماذا تفعل هذا؟ يجيب بروس ويليس الذي يلعب دور الشرطي جون ماكلين: لأن ليس هناك غيري لهذا الفعل الآن. الفعل بطولي وأخلاقي بالدرجة الأولى، ومع ذلك يتنصَّل جون ماكلين من بطولته. يقول ماثيو: لقد أنقذت حياتي عشر مرات في الساعات الست الماضية. الحوار يدور عند منتصف الفيلم تقريباً. ورداً على ماثيو يقول بروس ويليس: إنه يؤدي عمله. إننا أمام حلقة مفرغة من البطولة الهوليوودية. ماكلين بطل رغم أنفه، ويرى أن فعل البطولة نادر، وأنه هو نفسه ليس بطلاً، بعكس هوليوود التي تنتج أبطالاً خارقين أخلاقيين، ينتصرون للخير، بوفرة في سلاسل أفلامها الشهيرة، باتمان، إنديانا جونز، هاري بوتر. المهمة بحجم البطل، ولأنه بروس ويليس أو جون ماكلين، فالكارثة التي يتصدى لها في فيلم "عِشْ حراً أو مُتْ بقسوة"، كبيرة. جابرييل مبرمج كمبيوتر يقرر أن يعبث بأنظمة البنية التحتية للولايات المتحدة الأمريكية، من أجل المال. شاشات المباحث الفيدرالية "الإف بي آي"، قسم الحماية الإلكترونية، تنطفئ لحظات ثم تعود، وكأنها رسالة من الخارج. مُفارَقَة، قسم الحماية المعني بمكافحة الاختراق، يتم اختراقه. إثارة وتشويق.

تقاليد هوليوود الكلاسيكية الصارمة، سريعاً، ومنذ بداية الفيلم، وعلى تتراته، لا بد أن يحدس المُشاهِد بمسار الفيلم كله. لا خيانة درامية لحدسه، ولا خيبة لتوقعه. الأمور مستقيمة في سينما هوليوود، كطُرُق الهاي واي الأمريكية. بعد 11 سبتمبر (أيلول) وضع الأمن القومي نسخة احتياطية من ثروة أمريكا في مبنى "ودلاون". البنوك، وول ستريت، المعاملات المالية، المؤسسات، الودائع الحكومية، كل شيء في "ودلاون". المفاجأة أن غابرييل مبرمج الكمبيوتر هو مَنْ قام بتصميم "ودلاون". السرقة هنا مختلطة بالخيانة الوطنية، والجاسوسية. اثنان من فريق غابرييل يتحدثان الفرنسية أحياناً دون أسباب واضحة في سيناريو الفيلم، إلى جانب صديقة غابرييل الصينية. خلطة مؤامرة مُشوَّشة على نموذج الحياة الأمريكية، ومبرر المؤامرة، المال والحقد والكراهية. يستطيع غابرييل سرقة مليارات أمريكا، لكن طبقاً لشخصيته، يستطيع أيضاً محو كل شيء. هناك مشكلة عند البطل جون ماكلين، فهو لا يفهم في عالَم الكمبيوتر، هو بطل تقليدي، ينقذ أمريكا دائماً بذراعه، بقوته البدنية البدائية، المناسبة لأفلام الحركة. وهنا يأتي دور ماثيو الهاكر الصغير الطيب الذي أصبح ملازماً للبطل بقوة الظروف الدرامية للفيلم.

غابرييل وفريقه قتلوا سبعة من الهاكرز بعد استخدامهم بشكل غير مباشر في فك شفرات، ولم يبق على قيد الحياة سوى ماثيو في حماية بروس ويليس. قرأ ماثيو إشارات "المزاد الناري" في انهيار شبكة المواصلات، وجنون وول ستريت، وسقوط شبكة القطارات، واختراق البث التلفزيوني. لا يعرف جون ماكلين ما هو "المزاد الناري". ماثيو يجيب: هو هجوم ثلاثي الخطوات، الخطوة الأولى الاستيلاء على وسائل النقل، والثانية التحكم في القاعدة المالية والاتصالات، والثالثة التخلص من كل الموارد، الماء، والغاز، والكهرباء، والطاقة، أي كل شيء يتم التحكم فيه عن طريق الكمبيوتر، ولهذا يسمونه "المزاد الناري"، لأن كل شيء يجب أن ينتهي.

يعز على هوليوود أن تترك بطلها ذائع الصيت، جون ماكلين، غشيماً إلى النهاية في عالَم الكمبيوتر، فتضع له مُشَارَكَة، خفيفة اليد، يُطْلَق عليها التعبير العامي، "حتة أمريكاني". يسأل جون ماكلين الهاكر ماثيو: لو كان هذا مزادك الناري، ما هي خطوتك التالية؟ ومع أن ماثيو شرح لجون ماكلين في مشهد سابق، ما هي الخطوات الثلاث للمزاد الناري، إلا أن المخرج أراد هنا أن يكون ماكلين مُلْهِمَاً لماثيو بصرف النظر عن المنطق الدرامي للفيلم. يجيب ماثيو: الهدف من "المزاد الناري"، أن يتم معظمه عن طريق التحكم عن بعد، ولكن ليس كل شيء يتم عن بعد، فالمصادر الأساسية تعمل في دوائر مغلقة. أستطيع اختراق الشبكة حتى نقطة معينة، ولكن لغلق النظام تماماً، يجب أن أكون في المكان نفسه. ينقطع حديث ماثيو. سهم الإلهام الذي أطلقه جون ماكلين. يطلب ماثيو التلفون/ الكمبيوتر من ماكلين الذي يقول له: الشبكة لا تعمل. يرد ماثيو بأنه سيُعيد التليفون/ الكمبيوتر، لنظامه الأصلي، حيلة معروفة للهاكرز. إجابة سؤال ماكلين الآن جاهزة، وهي مبنى شبكة الطاقة الرئيسية للغاز والكهرباء غرب فرجينيا، ويجب أن تُغلق يدوياً من فريق جابرييل. ماكلين يدافع عن أمريكا بذراعه، يدافع عن أمريكا يدوياً. لقاء ذراع لذراع. مادة الفيلم تقوم على لقاءات من هذا النوع. يتألق جون ماكلين في تلك اللقاءات، ثم يُنكر بطولته، يُنكر أنه أنقذ أمريكا، فهو يؤدي عمله فقط.