الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والمصري عبدالفتاح السيسي يفتتحون مركز "اعتدال" في الرياض.(أرشيف)
الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والمصري عبدالفتاح السيسي يفتتحون مركز "اعتدال" في الرياض.(أرشيف)
الخميس 25 مايو 2017 / 14:35

آمال كبيرة على المركز العالمي لمكافحة الإيديولوجيا المتطرفة

رأى ريتشارد والتون، قائد مكافحة الإرهاب في شرطة لندن، سكوتلاند يارد سابقاً، أن الهجوم الإرهابي الذي وقع في مانشستر ليلة الاثنين الماضي هو الأكثر دموية منذ التفجيرات التي شهدتها لندن عام 2005، مشيراً إلى أن بريطانيا سوف تتعرض للمزيد من هجمات "الذئاب المنفردة" لاختبار تدابير مكافحة الإرهاب في البلاد.

ثمة تساؤلات جادة سيتم طرحها عبر بريطانيا تتعلق بالمجتمعات الإسلامية الموجودة فيها وعما إذا كان القادة المسلمون يقومون بأدوار كافية لمواجهة الروايات "السامة" التي تروج لها الجماعات الإرهابية المتطرفة

 ويشير والتون، في مقاله الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن هجوم مانشستر نشر الألم والحزن في جميع أنحاء بريطانيا، وبخاصة لتزايد شعور الأسر والمجتمعات المحلية بالهلع والرعب من جراء استهداف هذا العمل الإرهابي لضحايا معظمهم من الفتيات في سن المراهقة خلال إحدى حفلات موسيقى البوب.

ويؤكد والتون أنه إذا ثبت أن داعش هو المسؤول عن تدبير هذا الحادث الإرهابي فإن ذلك سيؤدي إلى ترسيخ عزيمة شعب بريطانيا لهزيمة هذا التنظيم الإرهابي، لاسيما أن مانشستر قد شهدت الإرهاب الإيرلندي من قبل، وسوف يبرهن مواطنيها للعالم مدى إصرارهم على الصمود.

ضغوط وتساؤلات
ويوضح والتون أن وكالة الاستخبارات الداخلية البريطانية MI5 ووحدات مكافحة الإرهاب تتعرض الآن على الأرجح لمزيد من الضغوط، خاصة بعدما باتت قدراتها مستنفدة بشكل حاد جراء التعامل مع هجوم وستمنستر الإرهابي قبل ثمانية أسابيع فقط، كما تواجه تساؤلات حول سبب التراخي في منع متطرف آخر "معروف" من قتل الكثيرين.

يقول والتون: "يتمثل أحد التفسيرات في أن بريطانيا تشهد مؤخراً تهديدات غير مسبوقة من هجمات داعش، وتمكنت السلطات البريطانية فعلاً من وقف العديد من هذه المحاولات؛ إذ نجحت قيادة لندن لمكافحة الإرهاب في منع ثلاثة هجمات إرهابية منفصلة في اسكوتلانديارد (بما في ذلك هجوم بالسكاكين) في الأسابيع الأربعة الماضية، اثنان منها في غضون 24 ساعة، وتم اتهام جميع الجناة المحتملين، وبينهم أربعة نساء، بارتكاب جرائم إرهابية".

واللافت أن جميع المشتبه فيهم كانوا يعيشون في بريطانيا منذ سنوات ولم يكونوا من المقاتلين الأجانب العائدين من الخلافة المنهارة، وإنما متطرفون معروفون استلهموا ارتكاب العمل الإرهابي من خلال الوصول إلى المواد المتطرفة المتاحة على شبكة الانترنت والتواصل مع الإرهابيين في الخارج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أن الأمر لا يختلف بالنسبة إلى سلمان عبادي، الانتحاري المسؤول عن هجوم مانشستر، الذي وُلد وترعرع في بريطانيا لأبوين من ليبيا.

مكافحة الإرهاب
وينوه والتون إلى أن وحدة مكافحة الإرهاب في مانشستر هي التي ستتولى قيادة التحقيق في هذا الهجوم، علماً أنها أسست عقب تفجيرات لندن 2005 حينما اعترف المسؤولون بأن نقص القدرة على مكافحة الإرهاب خارج لندن ربما أسهم في ضعف المعلومات الاستخباراتية عن منفذي الهجمات الذين كان معظمهم يعيش في مدينة ليدز وضواحيها. وتعمل شبكة شرطة مكافحة الإرهاب الحديثة في بريطانيا بشكل كامل الآن ولديها وحدات في كل المدن الكبرى، وبالتنسيق مع لندن، يقوم أفراد الشرطة المتخصصون في جميع أنحاء بريطانيا باستكمال موارد التحقيق التي يتم نشرها من وحدة مانشستر، واختبرت الشرطة مرات عدة الرد على هجمات من هذا النوع وإجراء التحقيقات بأعلى مستويات التنسيق والقيادة.

ولكن المتخصصين في مجال مكافحة الإرهاب يعترفون بأن مقياس الأداء الحقيقي يتمثل في غياب الهجمات الإرهابية، وللأسف شهدت بريطانيا مؤخراً هجومين في أكبر مدينتين. وفي تعليق نادر صرح اندرو باركر رئيس وكالة الاستخبارات البريطانية MI5 عقب هجوم مانشستر أن فريقه سيركز بلا هواده على مكافحة الإرهاب، وعلى الأرجح أنه سيوجه الوكالة إلى الإسراع في إعادة تقييم جميع المتطرفين "المعروفين" في بريطانيا ومراقبة أنشطتهم السرية.

خلافة داعش "الافتراضية"
وعلى الرغم من النجاحات العسكرية ضد داعش في العراق وسوريا، فإن تزايد التأمر الإرهابي سوف يستمر على الأرجح لعدة أشهر وربما لسنوات، بحسب كاتب المقال، فكلما كان من الصعب بالنسبة للمتطرفين أن ينتقلوا من بريطانيا إلى أراضي يسيطر عليها داعش، فإنهم سيحاولون توجيه ضرباتهم داخل الغرب، وربما باتت نهاية الخلافة "المادية" وشيكة ولكن الخلافة الداعشية "الافتراضي" سوف تستمر طويلاً على الأرجح.

ويلفت كاتب المقال إلى أن الدرس المستفاد من هجمات وستمنستر ومانشستر يتمثل في أن الإرهاب الجماعي لا يحتاج إلى أن يكون معقداً أو متقدماً بشكل خاص مثل الهجمات التي نُفذت في باريس خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2015، والواقع أن الأفراد يمكن تحفيزهم لقتل العديد من الناس باستخدام السكاكين أو السيارات أو القنابل المحلية الصنع، ومن ثم يجب ألا يشعر المسؤولون البريطانيون بالقلق من المؤامرات المزعجة التي تستخدم البنادق، وذلك بفضل القوانين الصارمة للأسلحة النارية. إن الطريقة الوحيدة لمنع مثل هذه الهجمات تكمن في معرفة عقلية المتطرفين ونواياهم من أجل تعطيل مخططاتهم سواء من خلال الاستخبارات الجيدة والرصد السري أو من خلال بلاغات الأسر والمحيطين بهم.

قلق الأقليات المسلمة
ويضيف كاتب المقال أن ثمة تساؤلات جادة سيتم طرحها عبر بريطانيا تتعلق بالمجتمعات الإسلامية الموجودة فيها وعما إذا كان القادة المسلمون يقومون بأدوار كافية لمواجهة الروايات "السامة" التي تروج لها الجماعات الإرهابية المتطرفة. وحتى مع وجود إستراتيجية وطنية متطورة للوقاية من الإرهاب في بريطانيا، فإن المئات من المواطنين المولودين في بريطانيا قد غادروا خلال السنوات الأربعة الماضية للانضمام إلى خلافة داعش، وعلى المرء التساؤل عما ينبغي عمله لمنع هذه العلامة التجارية القوية للتطرف الإسلامي "داعش" من الازدهار.

وبحسب الكاتب، ستكون الحكومة البريطانية قلقة بشكل خاص إزاء تراجع التماسك المجتمعي في شمال غرب انجلترا عقب هذا الهجوم الذي من المحتمل أن يتبعه رد فعل عنيف ضد طوائف الأقليات المسلمة، وبخاصة لأن هذه المنطقة تبدو أقل اندماجاً من مناطق أخرى كثيرة في بريطانيا، كما تحظى الجماعات اليمينية المتطرفة بتأييد هناك، والدليل على ذلك قتل النائبة البريطانية جو كوكس من قبل اليمني المتطرف توماس ماير العام الماضي.

القمة العربية الإسلامية الأمريكية

ويختتم الكاتب قائلاً: "من الواضح أنه لا يوجد حل واحد للتهديدات الإرهابية المستمرة في جميع أنحاء العالم، ولكن علينا أن نأمل أن مبادرات مثل إنشاء المركز العالمي لمكافحة الإيديولوجية المتطرفة، التي انطلقت خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية هذا الأسبوع، من شأنها أن تقود إلى إحداث تغيير، ويمكن أن يقود إشراك الدول الإسلامية في مثل هذه الخطوات الجريئة إلى انخفاض أعداد الأسر التي سوف تعاني من الإرهاب مستقبلاً. وبشكل غير مقصود أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي للمتطرفين فرصة لنشر رواياتهم في جميع أنحاء العالم واستقطاب أنصارهم في التفكير المتطرف، لذلك هناك الكثير الذي ينبغي القيام به لمكافحة مثل هذه التأثيرات المتطرفة، وعلى الدول وضع استراتيجيات شاملة لمكافحة الإرهاب تتضمن تعميم الخطوات الرامية إلى تحديد التطرف بكل أشكاله وكيفية التعامل معه".