محمد العمادي.(أرشيف)
محمد العمادي.(أرشيف)
الخميس 25 مايو 2017 / 20:20

حصتنا من قطر.. غيمة محمد العمادي ونبوءاته

يجمع العمادي، في ظاهرة لا تتكرر كثيراً، بين دور الشبح والمتنبئ، بين المحاسب وحارس الصدقات، بين الحليف وصاحب الأمر، يتجول في شوارع غزة بحرية مطلقة وصلاحيات غامضة

عشية وصول الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" إلى الرياض، وبينما كان العالم منشغلاً بوفود عشرات الدول وهي تسعى نحو العاصمة السعودية، وبمراسيم الاستقبال و"ميلانيا" و"إيفانكا"، وخطابات الزعماء المعدة بعناية، بينما كان العالم يراقب نشوء التحالف الجديد في الإقليم، بينما كانت الأضواء تتجه نحو الجزيرة العربية والتحولات الكبرى التي تحدث هناك، كان هناك رجل اسمه "محمد العمادي" يغادر قطاع غزة كما يفعل دائماً في جولات قصيرة بين غزة وتل أبيب أو أطول نحو "الدوحة".

محمد العمادي هو الرجل الذي ائتمنته "قطر" على ملكية "الإخوان المسلمين" في جنوب فلسطين، التي نطلق عليها اسم "غزة".

ليس لدى العمادي حقائب أو صفة في جدول الصفات الرسمية، هو ليس وزيراً ويصعب اعتباره سفيراً لبلاده أو موفداً أو زائراً أو حتى سائحاً أو أي شيء من هذه الألقاب. العمادي "مندوب".

يجمع العمادي، في ظاهرة لا تتكرر كثيراً، بين دور الشبح والمتنبئ، بين المحاسب وحارس الصدقات، بين الحليف وصاحب الأمر، يتجول في شوارع غزة بحرية مطلقة وصلاحيات غامضة، فيه شيء من "نوستراداموس" وأشياء من "شيلوك"، شيء من "لورانس" أيضاً، وصل إلى "هنا" وفوق رأسه غيمة من الوعود، غيمة سحرية متحولة تأخذ شكل الإعمار وآلاف الشقق السكنية والشوارع المعبدة وحدائق الأحياء والملاعب والمدارس وهو يمر من الأحياء المهدمة وحطام الطرق التي دمرت في حروب حماس.

تأخذ، الغيمة، شكل الكهرباء وأعمدة النور ومحطات الضغط العالي وصهاريج الوقود والكشافات وهو يمر في الشوارع المطفأة وعتمة الزواريب والبيوت المعتمة التي انقطع عنها الضوء بسبب سلطة حماس وتحكمها وجبايتها.

وتأخذ شكل سلال الغذاء والخضار والفواكه وهو يعبر في الأسواق الخالية من الشراء بسبب البطالة والفقر والجوع التي أدت اليها ادارة حماس وتسلطها وتفردها في حكم الناس وأرزاقهم.

غيمة العمادي السحرية تلك هي حصتنا في غزة من قطر.

في رحلته الأخيرة ترك خلفه نبوءة واضحة لسكان غزة وحكامها من "الإخوان المسلمين"، قال لهم بيقين: "أنتم ذاهبون إلى الأسوأ".

تلك هي نبوءة الرجل الأخيرة والتي يواصل سامعوها تفكيكها لفصل مكوناتها وعزل التبليغ عن التحذير، وحسن النية عن الإنذار والوعيد.

تذكرت "محمد العمادي" بينما أتابع "حادثة" "القرصنة" التي تعرضت لها وكالة الأنباء القطرية، والتصريحات "المنسوبة" للشيخ تميم التي شكلت صدمة سياسية للجوار والمنطقة، والتي تبدو بالنسبة لنا، وبوجود"العمادي"، أقرب الى تكرار ممل لحقائق جرى التأكيد عليها وتحولت إلى "ثوابت" راسخة. حقائق لم تتعرض للاختراق أو القرصنة، تمشي على الأرض وتتجول في الأسواق ولم تعد تصدم احداً.

على سبيل المثال، قبل أشهر أجرى موقع "والاه" الإسرائيلي لقاءً مع "العمادي"، أتحدث عن حوار مع أحد أهم مواقع الأخبار في إسرائيل ومن أوسعها انتشاراً، صرح الأخير للموقع بأن :
"علاقتنا مع إسرائيل ممتازة وأنهم، في إسرائيل، يتعاونون معنا بشكل جيد لحل أزمة الكهرباء في غزة، ولكن بعض المتنفذين في السلطة يعرقلون ذلك". لقد أوضح الأمر، هنا، وحدد من هو الطيب ومن هو الشرير.

يمكن أيضا، في مثال آخر، العودة الى التقرير الذي نشره موقع "ديبكا" الإسرائيلي في مطلع فبراير من العام الماضي، وتناول الدور الذي يضطلع به مندوب قطر "محمد العمادي" في قطاع غزة، حيث خلص إلى أن دوره يتجاوز كثيراً الإشراف على مشاريع الإعمار القطرية في القطاع، الى مهمته كوسيط ينقل الرسائل والتطمينات المتبادلة بين "حماس" و"اسرائيل".
ويتطرق التقرير إلى العلاقة بين العمادي والمستوطنين في مستوطنات "غلاف غزة" والثقة التي يتمتع بها في أوساطهم، وعن رغبتهم في دعوته واستقباله في منازلهم. كل هذا قبل أن يخلص، تقرير "ديبكا"، إلى اعتبار الرجل سفير "قطر" في "إسرائيل" الذي يقيم في غزة.

لم تكن تلك التصريحات صادمة، لم تكن غريبة، ربما لأنها هنا أكثر وضوحاً ويمكن مشاهدتها في حياتها اليومية وهي تتجول تحت غيمة "المندوب" ونبوءاته.