الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا.(أرشيف)
الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا.(أرشيف)
الخميس 25 مايو 2017 / 20:14

تاريخ صناعة الكذب عالمياً!

أن تكذب لصالح نفسك، فهذا مستحيل، وأن تكذب لصالح الغير، فهذا تدليس، وأن تكذب قصد إلحاق الأذى بالغير فهذا افتراء، وهذا هو أسوأ أصناف الكذب

قبل حوالي عشرين عاماً، ألقى الفيلسوف الفرنسي التفكيكيّ جاك دريدا محاضرة في الكوليج الدولي للفلسفة بباريس، وكان عنوان هذه المحاضرة "تاريخ الكذب". والمحاضرة قائمة على التساؤل حول إمكانية تشكيل تاريخ خاص بالكذب عالمياً ومن خلال النظر إلى السياقات الثقافية والتاريخية التي أنشأته. ولاشكَّ أنَّ هذا الموضوع الذي أثاره جاك دريدا في غاية الأهمية والخطورة في آن معاً، فضلاً عن صعوبة تتبع مسارات ملتبسة ومعقدة للكذب في تاريخ البشرية. ولاشكَّ أنَّ دريدا يبدأ بالتفريق بين مصطلحات من قبيل "الفانتازيا" أو "التخيّل" ومصطلحات أخرى مثل "الكذب"و"الحنث بالوعد" وغيرهما.

ورغم اعترافه بصعوبة البحث في المسارات التشكيلية للكذب عبر العصور والحضارات المختلفة، يعترف دريدا باستحالة الكذب على الذات. يقول المفكر الفرنسيَّ جان جاك روسو "أن تكذب لصالح نفسك، فهذا مستحيل، وأن تكذب لصالح الغير، فهذا تدليس، وأن تكذب قصد إلحاق الأذى بالغير فهذا افتراء، وهذا هو أسوأ أصناف الكذب، وأن تكذب دون قصد جلب مصلحة أو إلحاق الأذى بك أو بغيرك فأنت لاتعتبر كاذباً، وما تقول ليس بكذب بل مجرد تخيّل". كما ركَّز دريد كثيراً على أعمال الفيلسوفة الألمانية اليهودية حنة أرندت بحكم اهتمامها بالعلاقة الخطيرة التي تربط الحقل السياسي بالكذب.

نشرت النيويورك تايمز في عددها المؤرخ ب19 يوليو 1995 مقالاً للسيد طوني دجادت، وهو أستاذ في جامعة نيويورك، تحت عنوان" حكايات عن الحرب الفرنسية". وقد عبَّر دجادت عن مساندته للرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك بخصوص قوله الحقيقة عن تاريخ فرنسا فيما يتعلق بحكومة فيشي المؤيدة للاحتلال النازي لفرنسا إبان الحرب العالمية الثانية وارتكاب هذه الحكومة الشمولية الجرائم ضد الإنسانية كما أدان دجادت الموقف المخجل للمثقفين الفرنسيين الذين نادرًا ما اهتموا بهذه الحقيقة في حين التزموا الصمت الكامل في إشارة إلى جان بول سارتر وميشيل فوكو بسبب كونهم يساريين.

وربَّما بسبب كون ما أثاره دريدا محاضرة، فإن ثمَّة أسئلة كثيرة أثارها وهي بحاجة إلى تفكيك عميق جداً بعيداً عند الوقوف فقط عند المركزية الأوروبية وتحديداً الفرنسية في صناعة الكذب سياسياً أو مجرد الاعتماد على تنظيرات الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت المنطلقة من عقلية الجماعات المضطهدة ومواقف بعض الأنظمة السياسية الأوروبية من اليهود. ويبقى تاريخ صناعة الكذب عالمياً بحاجة بالفعل إلى مقاربات تعمقه خاصة في التطبيقات السياسية الحديثة والمعاصرة إلى جانب التطبيقات الأدبية والنقدية والفلسفية، فماذا ستقول وثائق سياسية أُفرِجَ عنها أو سيفرج عنها بعد مائة عام من الآن؟! وكيف ستغير وثائق وجود تاريخ ربما نظرنا إليه بعين واحدة، كيف ستؤول هذه التواريخ البشرية؟! الزمن كفيل بالإجابة عن بعض من هذه الأسئلة.. وربَّما لن يجيب!