الممثلة المصرية إلهام شاهين.(أرشيف)
الممثلة المصرية إلهام شاهين.(أرشيف)
الجمعة 26 مايو 2017 / 20:06

بيتي كروكر

ها هي مغنيةٌ تتمرد على الميكروفون لتقيّم مدى أحقية الخليجيات بنيل حقوقهن وحرياتهن

قبل 70 عاماً، وجد الأمريكيون على رفوف السوبرماركت وعداً مغرياً من شخصيةٍ وهميةٍ تُدعى بيتي كروكر بأن يتمكّنوا من تحضير الكعك بمجرد إضافة بعض الماء إلى مسحوقها المُعلّب.

خطفت الكعكات سريعة التحضير الأضواء في البداية، ولكن سرعان ما تراجعت مبيعاتها وتواضعت، على الرغم من أنه لم توجد مآخذ على جودة المنتج، ولم تُطرح اعتراضاتٍ على النكهات والطعم. ولأنهم لا يجيدون الاكتفاء بلوم العين الشيطانية التي لم تصلّ على النبي، بدأوا في التفكير بجديةٍ في إنعاش مبيعاتهم مجدداً.

فكان السبب أعجب من العجب!

اكتشفت بيتي كروكر أن أغلب زبائنها آنذاك كن من الفتيات اللاتي لا يجدن الخبز والعجن، ولا يشددن المئزر حول وسطهن إلا تقمصاً لدور ربة المنزل الماهرة. لقد كن يرغبن في أن "يلفحهن" الإنجاز حين يفتحن باب الفرن، بينما البساطة المفرطة لصب أكواب الماء، وخلط المساحيق، لم تكن قادرةً على إرضاء غرورهن، أو حتى إشعارهن بقيمة تعبهن.

وهنا ما كان من "الخبيثة" بيتي كروكر إلا أن سايرت رغبات زبوناتها الدفينة، وعدّلت المنتج الذي لم يستلزم التعديل أصلاً، وهو ما ستلاحظونه اليوم إذا قرأتم التعليمات على جانب العلبة، حيث أصبح الخليط منذ عقودٍ طوالٍ يستلزم إضافة البيض إليه.

إنه حقا مشهدٌ نادرٌ في سخريته، ولا أملّ شخصياً من سرده على الرفاق والمعارف، فهو يثبت أن الحياة تستلزم أحياناً منح الآخرين إحساساً زائفاً بالأهمية والاجتهاد والتأثير.

أتفهّم ذلك.

ما لا أتفهّمه أبداً هو أن نسمح لهم بأن يرشقوا الغافلين بأهميتهم الهشة هذه، وبأن يكسّروها على رؤوس الأبرياء.

كثيرون هم الفنانون والمطربون والممثلون الذين كانوا يتّبعون وصفةً بالغة اليسر، وثابتة الجودة، وعالية الفرص في النجاح، وهي التي لم تقتض منهم سوى صبّ مواهبهم النقية على أرواحنا المتعطّشة إلى الطرب والجمال.

ولكنهم قاموا باستصغارها كما فعل "قطيع" بيتي كروكر ذات يومٍ، ولم يقنعوا بقيمتها دون أن ينبّشوا بين الأدراج عن شعورٍ أكبر بالتميز والإنجاز، ولو كانوا في غنىً عنه لتفاهته وزيفه.

فها هي مغنيةٌ تتمرد على الميكروفون لتقيّم مدى أحقية الخليجيات بنيل حقوقهن وحرياتهن، وها هي مغنيةٌ أخرى تخلط الحابل بالنابل في الحديث الشائك عن المثلية الجنسية واضطراب الهوية الجنسية، لتأتي إلهام شاهين في أحدث حلقات التهريج، وتحلل الأزمة السورية بكل تعقيداتها السياسية، مؤكدةً بأن أحداثها من صنيع "الغرافيكس" ليس إلا.

على عكس بيتي كروكر وجشعها الرأسمالي المبرر، لا أدري ما الذي يدعونا نحن إلى مسايرة هؤلاء حين يصعدون المنابر ليتفلسفوا في كل شيءٍ وأي شيءٍ، بما في ذلك المواضيع التي تتوقف عليها مصائرنا. لا أفهم ما الذي يرغمنا على مجاملتهم حتى يترجّلون عنها شاعرين بعظمتهم وعبقريتهم وقوة رأيهم.

أم هل أصبح الإفتاء في قضايانا "قطعةً من الكعك" كما يقول التعبير الإنجليزي الشهير؟