السبت 27 مايو 2017 / 20:30

المحاولة الجديدة

الوصفة الأكيدة لنجاح المحاولة، هي الوقوف على أسباب فشل سابقاتها، وهذا أمر ممكن لو قُرأت بتمعن كل أدبيات مسيرة السلام الفلسطينية الإسرائيلية، من أوسلو الى كامب دافيد الى آخر ما حرر على يد كيري، أي "القمة السرية في شرم الشيخ".

من بين الأسباب وربما يكون أهمها، غياب التوازن بين العناصر الفعالة في إحداث تسوية، فالعرب غائبون، والأوروبيون مهمشون، والأمريكيون يعتمدون إدارة الأزمة دون حلها.

عدم التوازن في الأدوار أدّى إلى فشل محقق، بل إلى تراجع ذريع عن نقاط البدايات، فكان أن غرق المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وصار إنقاذه ضرباً من ضروب المستحيل.

الذين لا يريدون حلاً مع الفلسطينيين، وهم مؤثرون جداً على مائدة القرار الإسرائيلي، استفادوا من هذا الخلل وعملوا على تعميقه، ذلك أن الوضع النموذجي لهم هو الاستفراد بالفلسطينيين دون تدخل حتى من الحليف الاستراتيجي أمريكا، وإذا كان لابد من تدخل فسقفه ترويض الفلسطينيين للتكيف مع ما تريد إسرائيل، تارة تحت ذريعة إحراجها، وتارة أخرى تحت عنوان إثبات حسن النية، ودائماً وحين تبلغ الأمور حافة الانفجار، يتدخل الإطفائي الأمريكي مبشراً ببعض التسهيلات التي غالباً تُعلن ولا تنفذ.

هكذا كان حال المحاولات السابقة الكثيرة التي قادها الأمريكيون دون معاونة من أحد ، وإذا كان الرئيس ترامب وفريقه جادين في التوصل إلى حل تاريخي، يغلق الملف مرة وإلى الأبد كما يقولون، فيتعين على الذين يعملون على إعداد المقترحات أن ينتبهوا إلى هذه النقطة، ذلك أن الملف الفلسطيني الإسرائيلي يختلف عن سائر الملفات الإقليمية بصورة جوهرية، فهو ملف عربي إقليمي دولي بامتياز، والتداخلات فيه على عكس التداخلات في أي ملف آخر، أكثر تأثيراً على المسارات والخلاصات، ولا منطق لجعله مجرد فلسطيني إسرائيلي، فأي حل يقترح في هذا الإطار الضيق، لابد وأن يلامس مصالح دول وكيانات، فإن لم تكن هذه الدول والكيانات شريكة في الحل من أوله إلى آخره، فلن يستقر أي حل ولن يجري التعامل معه بجدية وإخلاص.

المؤشرات التي يلمح لها ترمب وفريقه، تتجه إلى أهمية إحداث التوازن المطلوب كي تكون النتائج متوازنة أيضاً، وربط حل القضية الفلسطينية بإطار إقليمي يؤشر على تفهم أمريكي جديد، يتفادى خلل الماضي ويفتح باباً ايجابياً ربما ينجح المحاولة الجديدة.

الإسرائيليون من جانبهم استبقوا هذا التعديل الأمريكي بقلب أولويات المعادلة، فهم يريدون تطبيعاً مسبقاً مع العرب كمدخل للبحث في حل القضية الفلسطينية، ويبدو أن هنالك عطفاً أمريكياً على هذا المنطق، وهذا من شأنه لو قدم كشرط حاسم، أن يربك المحاولة الجديدة وأن يضع سلاحاً فعالاً في يد خصومها وهم كثيرون، فهل هنالك مخرج من هذا، وهل هنالك إمكانية للدخول في عملية سياسية لا تبدأ بمن يسبق ومن يلحق، بل بالتوازي فيما يعطى ويؤخذ، هذا كما أعتقد هو مجال العمل في المحاولة الجديدة.

لا ضمانة للنجاح ما دامت إسرائيل على حالها، إلا أن المحاولة لابد وأن تأخذ مداها فهي في أول الأمر وآخره حتى اللحظة محاولة جديدة.