شعار قناة الجزيرة القطرية.(أرشيف)
شعار قناة الجزيرة القطرية.(أرشيف)
الأحد 28 مايو 2017 / 21:00

جناحان للإرهاب: إعلام مشبوه وقاتل معتوه

هل نسّق الإرهابيون هجومهم مع "الجزيرة"، فسمحوا لمصوّريها بمرافقتهم، أم كانوا يصوّرون بأنفسهم، وفتحت لهم القناة موجات الأثير؟

في مثل هذه الأيام، قبل عامين، شن مئات الدواعش، في شمال سيناء، هجمات متزامنة، كان الهدف منها، على الأرجح، الاستيلاء على مدينة الشيخ زويّد المصرية، والتحصّن فيها، وتحويل سكّانها إلى رهائن، على غرار ما وقع في مدن وبلدات عراقية وسورية، على مدار السنوات القليلة الماضية. وقد تمكّن الجيش المصري، في حينها، من إحباط العملية، ودحر الهجوم، والقضاء على عدد كبير من الإرهابيين، ودليلاً على صدقيته نشر صور الدواعش القتلى، بثياب عسكرية مموّهة، في أماكن مختلفة من مسرح العمليات.

وربما كانت تلك الأكبر والأخطر، والأكثر طموحاً، بين عمليات الدواعش شمالي سيناء. والمهم، في هذا الشأن، أن الهجوم على المواقع العسكرية والشرطية، في مدينتي الشيخ زويّد والعريش، نُقل بالبث الحي والمباشر على قناة "الجزيرة". وفي أمر كهذا ما يتجاوز لعبة السبق الإعلامي، ويُحرّض على طرح أسئلة من نوع: هل نسّق الإرهابيون هجومهم مع "الجزيرة"، فسمحوا لمصوّريها بمرافقتهم، أم كانوا يصوّرون بأنفسهم، وفتحت لهم القناة موجات الأثير؟

لا نعرف. ولكن من المؤكد أن في البث الحي ما يوحي بقدر من التنسيق بين الجانبين. وإذا كان في أمر كهذا ما يحتمل أكثر من تأويل، فإن التعليق الذي رافق البث الحي لا يحتمل التأويل. فعلى شاشة "الجزيرة"، التي انقسمت يومها نصفين، كنّا نرى في نصف الشاشة مسلحين، وفي النصف الآخر رأينا شخصاً يدعى يحيى عقيل، استضافته "الجزيرة" للتعليق على ما يجري على الأرض. والمهم، أن حضور المذكور في نصف الشاشة الثاني تم بطريقة مسرحية تفتقر إلى أدنى حد من البراءة أو العفوية، فقد جلس للتعليق على ما يجري، مرتدياً ثياباً تقليدية، وفي الخلفية ستارة زرقاء للإيحاء بأنه يتكلّم من مكان ما في مصر.

وفي سياق كلامه أفاض عقيل واستفاض في تفصيل المظالم التي يعاني منها أبناء سيناء على يد النظام القائم، واستنتج أن "الأمور وصلت إلى نقطة اللاعودة"، وأن ما يجري يعيد التذكير بما حدث في سوريا والعراق. بمعنى آخر، كانت الرسالة التي تريد "الجزيرة" تمريرها على لسان عقيل، ويريد عقيل تمريرها على شاشة "الجزيرة" أن ما يجري يمثل ترجمة "لثورة" المصريين، في سيناء، على النظام في القاهرة.

وفي آخر اليوم نفسه، كانت عملية بحث سريعة على الإنترنت تكفي لتأكيد حقائق من نوع: أن عقيل من قيادات الإخوان المسلمين، في شمال سيناء، وأنه كان عضواً في مجلس الشعب عن الإخوان، وأنه هرب من مصر بعد الإطاحة بنظام الإخوان. ومن حصاد البحث في آخر اليوم نفسه، اتضح وجود صفحة إلكترونية على الإنترنت بعنوان "إخوان سيناء". تزينها صورة الإخواني المعزول مرسي، وتصريحات القرضاوي، وفي مكان لا يقل أهمية بيان الدواعش عن هجمات ذلك اليوم في سيناء.

ولنفكر في الدلالات: لم تقدّم "الجزيرة" المذكور كقيادي في جماعة الإخوان، وتلاعبت بخلفية الصورة للإيحاء بأنه يتكلّم من مكان ما في مصر (ربما كان مقيماً في الدوحة أو إسطنبول). فهل في حجب حقائق كهذه ما ينسجم وأخلاقيات النزاهة المهنية؟ ألا يبرر أمر كهذا التفكير في علاقة ما، وتبادل للأدوار، والأقنعة، بين الإخوان والدواعش، وبين هؤلاء وأولئك من ناحية و"الجزيرة" من ناحية ثانية؟

والأهم من هذا وذاك: البث الحي والمباشر لهجمات إرهابية مُسلحة، والتعليق عليها من جانب إخواني يبرر التفكير في دلالات من نوع: أولاً، أن الهجوم الإرهابي المُسلّح رافقه هجوم إعلامي، وفي اللحظة نفسها، للإيحاء بأنه "ثورة" من جانب أبناء سيناء، بعدما وصلوا إلى "نقطة اللاعودة". وثانياً، لزعزعة معنويات المواطنين في العريش والشيخ زويّد، وتضليلهم، أيضاً (ناهيك عن مواطنين في مصر وخارجها). فالناس غالباً ما يبحثون في وسائل الإعلام عن تفسير حتى لما يقع تحت نوافذهم من أحداث.

بمعنى آخر: التغطية الإعلامية تمثل نوعاً من الدعم الدعائي للهجوم الإرهابي نفسه. جناحان للهجوم، واحد على الأرض، والثاني عبر موجات الأثير. فهل ينسحب على فعل كهذا وصف "الرأي الآخر"، وهل في أخلاق المهنة ما يبرر كل هذا القدر من الأقنعة، والتلاعب بالحقيقة، ومصائر أوطان، وأرواح أبرياء؟

وبمعنى أكثر مباشرة، وفي الأجواء الكئيبة لهجومين إرهابيين وقعا، قبل أيام، في مانشستر البريطانية، والمنيا المصرية، وحصدا الكثير من أرواح الأبرياء: لا إمكانية لنجاح الحرب على الإرهاب دون قص جناحيه، وتجفيف وفضح مصادره الأيديولوجية، ومنابره الإعلامية.