مقاتلون من داعش في الموصل.(أرشيف)
مقاتلون من داعش في الموصل.(أرشيف)
الإثنين 29 مايو 2017 / 21:01

بيات صيفي للإرهاب الأصولي!

القفز الى الاستنتاج السهل بقرب زوال الإرهاب الأصولي يبدو مغامرة خطرة في ظل المفاجآت المتعاقبة

الحرب المعلنة على تنظيم داعش الإرهابي في العراق، لم تكن في أي لحظة حرباً جادة وهادفة إلى القضاء على وجود هذا التنظيم في البلاد بقدر ما كانت ولا تزال محاولة عسكرية للعبث بالديمغرافيا على أساس طائفي. رغم ذلك يتراجع "داعش"، وينحسر وجوده في منطقة صغيرة تقدر بعشر مساحة الموصل.

في الوقت نفسه يبدو مركز التنظيم الإرهابي في مدينة الرقة السورية مخنوقاً بالحصار المشدد، ويكثر الحديث هناك عن تفكير قيادة التنظيم بالبحث عن مركز جديد لها، يقال إنه سيكون في دير الزور أو درعا المجاورة للحدود الأردنية، ما يعني عملياً الانسحاب إلى الأطراف بعد الضمور والخسارات الكبيرة التي تلقاها الدواعش في العمق السوري.

وعلى الطرف الآخر من الجغرافيا العربية يعلن تنظيم أنصار الشريعة الأصولي في ليبيا حل نفسه، معللاً ذلك برغبته في "إفساح الطريق لغيرنا من أبناء هذه الأمة الصادقين لحمل الأمانة من بعدنا". ويبدو قرار الحل مفاجئاً لأن هذا التنظيم الإرهابي المرتبط بالقاعدة كان حتى وقت قريب يزعم أنه الوحيد القادر على "حمل الأمانة"!

هذا التراجع في ساحات رئيسة ثلاث للإرهاب الأصولي المدعوم غربياً وإقليمياً وعربياً في المنطقة، يعني سقوط مشروع دولة الخلافة وتراجع الدواعش والأصوليين الآخرين الخارجين من رحم القاعدة عن هدفهم المعلن في شطب الهوية القومية والهويات الوطنية في المنطقة لإقامة دولة أصولية يحكمها الخليفة!

ما الذي جرى لكي يتم التراجع بهذه الطريقة وبهذه السرعة المدهشة؟ وهل سبق ذلك مراجعات أجرتها قيادات وشيوخ الظلام؟ وهل كانت الحملات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية قادرة على تحقيق نتائجها رغم محدوديتها وضعفها البائن؟

هناك تفسيران لا ثالث لهما لهذا التراجع، فإما أن تكون التنظيمات الإرهابية قد منيت بالفعل بخسائر كبيرة وفادحة في الميدان، بحيث فقدت قدرتها على الاستمرار، رغم أن ما يرد ما أخبار المعارك لا يوحي بهزيمة التنظيم، أو أن يكون قرار التراجع ذاتياً لأسباب تتعلق بقراءة شيوخ الإرهاب لمآلات الاستمرار بذات النهج والطريقة، رغم أن التجربة تؤكد أن هؤلاء لا يجيدون قراءة المشهد الواقعي ويذهبون دائماً إلى الغيبيات في إقناع أتباعهم بالولاء.

لكن التفسيرين يظلان ممكنين في ضوء قراءة أخرى ترى أن قرار هؤلاء ليس ذاتياً، وأن وجودهم في حد ذاته تم بقرار من وراء الحدود، وأن ارتباطهم بالمشروع الغربي لم يعد سراً.

وإذا أردنا تصديق التفسير الأول الذي يقوم على فرضية تعرض التنظيمات الإرهابية لخسائر ميدانية كبيرة لا تستطيع احتمالها، فإن ذلك يعني بالضرورة وقف أو تقليص الدعم المقدم لها من الداعمين والممولين الذين يمدونها بالسلاح وبالمقاتلين أيضاً.

وإذا فضلنا تصديق التفسير الثاني القائم على فرضية المراجعات، فإن ذلك يعني أن هذه المراجعات لم تتم بالضرورة في الموصل والرقة وبنغازي، بل في واشنطن ولندن وعواصم أخرى قد يكون من بينها تل أبيب التي أكدت أمس أن داعش لا يشكل خطراً على إسرائيل.

يبدو أن مرحلة جديدة من الفوضى الأمريكية "الخلاقة" ستبدأ في المنطقة، ويبدو أن هذه المرحلة لا تحتمل وجود التنظيمات الإرهابية الأصولية بشكلها الحالي، وتحتاج إلى أدوات جديدة ومختلفة.

لكن القفز الى الاستنتاج السهل بقرب زوال الإرهاب الأصولي يبدو مغامرة خطرة في ظل المفاجآت المتعاقبة، وإدراك الاختلاف في التفاصيل على الأقل بين المشروعين الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

كعرب لا نملك إلا أن نتابع وننتظر، طالما ليس لدينا مشروعنا.