أمير قطر تميم بن حمد (أرشيف)
أمير قطر تميم بن حمد (أرشيف)
الإثنين 29 مايو 2017 / 16:31

ليبيا: خلع أنياب الإسلام السياسي وقطع أذرع الأخطبوط القطري

24 - رواد سليمان

تشهد ليبيا تطورات سريعة وبنسق متصاعد في الأيام القليلة الماضية، بعد تزايد خسائر ما يُسمى بالإسلام السياسي هناك، والتيارات الإرهابية والمتطرفة، التي قامت ولا تزال تستند على استمرار محور طرابلس الدوحة، لضمان النفوذ وحرية التحرك، للجانب القطري، في مقابل ضخ الأموال والتسليح والدعم الإعلامي للتشكيلات الليبية الإرهابية من قبل الجزيرة، مثلاً وبعض العناوين الإعلامية الأخرى الممولة قطرياً أيضاً.

وبالنظر إلى التطورات في ليبيا غرباً وفي الخليج شرقاً، لا يُمكن التغاضي عن الربط، أو على الأقل عن صلة ما بين ما يجد في قطر بعد أزمة تصريحات تميم المثيرة للجدل، وبين ما تعيشه طرابلس منذ أيام قليلة بعد قيام تحالفات جديدة، بين فرقاء الأمس، وانفضاض عدد من التشكيلات المسلحة من حول القيادات الإخوانية الليبية الشهيرة، ممثلةً في المفتي المعزول الصادق الغرياني، ونائبه في قطر كما على رأس دار الإفتاء سابقاً، علي الصلابي، وإخوة الأخير الثلاثة المقيمين في قطر، وبريطانيا، وليبيا.

وبعد أن فجر الانتحاري الليبي نفسه في حفل مانشستر، تطاير مع أشلائه أيضاً آخر الغطاء الذي كان يستر بعض ملامح الإرهاب الإخواني في لندن، والمدعوم قطرياً منذ 2011، على يد تميم بن حمد شخصياً، الذي تكفل بمجرد اندلاع الأحداث في ليبيا، وبتكليف من والده الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني شخصياً، بربط الصلة بكبريات القبائل الليبية خاصةً في غرب البلاد، من طرابلس إلى جبال النفوسة على الحدود التونسية الليبية.
شراء ولاء القبائل

وفي كتابهما الشهير "قطر: سر الخزانة" الصادر في أواخر 2013 وبداية 2014، كشف الكاتبان والصحافيان الفرنسيان المتخصصان في ملفات المجموعات الإرهابية، والنشاطات السرية كريسيان شينوست، وجورج مالبرونو، الدور الحاسم الذي لعبه الأمير الحالي تميم بن حمد، في استمالة قبائل الغرب الليبي، بعد اندلاع أحداث في بنغازي في فبراير (ِشباط) 2011، والأموال الضخمة التي ضختها قطر في جيوب شيوخ القبائل التي لم تكن متحمسة للانقلاب على العقيد القذافي، والإغراءات المالية الكثيرة التي وعد بها الليبيين المترددين إذا خلعوا عهدهم مع القذافي.

ورغم الإنكار والتفنيد والتكذيب، إلا أن الأحزاب المنبثقة عن تنظيم الإخوان الليبي، إلى جانب إقامة قيادات التيار الإخواني الليبي الكبار في قطر منذ سنوات طويلة حتى قبل 2011، والإمكانات المالية والعسكرية الضخمة المتاحة للميليشيات الموالية للإخوان، والمتحالفة معهم في ليبيا، وشهرة الشخصيات "الإرهابية" في ليبيا المرتبطة بطريقة أو بأخرى بقطر والدوحة، مثل عبد الحكيم بلحاج زعيم حزب الوطن حالياً والأمير السابق للجماعة المقاتلة في ليبيا، التي تخرج في مدرستها عدد من كبار الإرهابيين الليبيين مثل أبو أنس الليبي القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة، ثم القاعدة، وأبو ختالة القيادي السابق في تنظيم أنصار الشريعة الذي حل نفسه قبل يومين.

ورغم تمسك قطر بالتفنيد والتشديد على "المؤامرة لتوريط قطر والزج باسمها" إلا إن تفجير مانشستر الأخير كشف عمق الصلات بين الدوحة والرايات السوداء الكثيرة المنتشرة في ليبيا منذ 2011 تحت مسميات كثيرة ومختلفة من الإخوان، إلى الجماعة المقاتلة، إلى حزب الوطن، وحزب البديل، والبرلمان، إلى القاعدة، وداعش، ومجالس شورى الثوار في أكثر من مدينة ومن منطقة.

خلع الأنياب
وبعد فضح العلاقة الحرام بين ليبيا وقطر، وبعد بداية مرحلة جديدة اليوم، كما يبدو في الإعلام الدولي والبريطاني، وبعد القناعة الراسخة التي نقلها الإعلام العربي منذ سنوات طويلة، بالدور السام الذي تلعبه قطر في المنطقة العربية، بعد رهانها على تحالف الحية مع الثعبان، بالتقارب بين إيران وجماعة الإخوان، في محاولة منها لتأمين جناحيها في منطقة عرفت طويلاً منذ أكثر من نصف قرن، غدر وطعن الدوحة ليلاً، منذ عهد الشيخ جاسم الذي يعتبره القطريون الأب المؤسس، إلى الشيخ أحمد في السبعينات ، مروراً بالشيخ خليفة بن ثاني، ووصولاً إلى ابنه حمد الأمير السابق ثم تميم الأمير الحالي الذي سار على النهج نفسه، والتكتيك ذاته، ولكن شكل الأحداث وتطوراتها اليوم توحي ببداية خلع أنياب مؤلمة لوحش الإسلام السياسي في المنطقة وليس في ليبيا وحدها، وتقطيع لا يقل إيلاماً لأذرع الأخطبوط القطري أيضاً.

ورغم كل ما يؤكده الإعلام القطري الموالي بمختلف أشكاله، فإن العلاقة المحرمة بين تنظيم الإخوان الأساسي وأبناء السفاح الذين خلفهم على شكل تنظيمات موالية أو مؤيدة، أو عملية بمعنى إرهابية، لم تكن سوى ثمرة فاسدة للمناخ العام في البلاط القطري نفسه منذ عقود طويلة، ممثلةً في شخصيات من المقام الأول مثل الشقيقين عبد العزيز وعبد الله، أعمام الأمير الحالي، الذين يرتبطان بقواعد سلفية صلبة وعابرة للخليج نفسه، رغم العداء بينهما من جهة، وعدائهما للأمير السابق حمد بن خليفة، الذي اضطر مثلاً إلى عزل ابنه الثاني من زواجه الأول، الأمير فهد، عن ولاية العهد بعد اكتشاف ميولاته المتطرفة، والتحاقه بتنظيمات ومنظمات متطرفة في باكستان في 1993، ما جعل الأمير تميم الأمير الحالي، خياراً مفروضاً بالضرورة، بعد اعتذار الأخ البكر مشعل عن الحكم، ثم تطرف فهد، وزهد جاسم في السلطة بسبب المرض.

ليبيا نهاية الكابوس
ولا يفوت المتابع للأحداث الربط بين تفجر عاصفة جديدة في وجه قطر منذ أيام، وبين التحولات الخطيرة التي تشهدها ليبيا، بعد دخول مصر صراحةً إلى جانب القوات المسلحة الليبية الشرعية، وذلك بعد تقارب كبير بين رأسي ليبيا في أبوظبي، بعد لقاء قائد الجيش خليفة حفتر برئيس حكومة الوفاق في طرابلس فائز السراج، ثم تمرد الميليشيات المختلفة خاصةً في الغرب، على سلطة الإخوان، بدايةً بتحرير المعتقلين في سجن الهضبة الخاضعة للمجلس العسكري السابق في طرابلس بقيادة عبد الحكيم بالحاج، إلى جانب إعلان الجيش الليبي النفير العام، لتحرير طرابلس نفسها.

وفي تونس المجاورة اعتقلت السلطات أحد أكبر رجال الأعمال المتهمين بالفساد والخيانة، والتآمر مع جهة أجنبية، وذلك على خلفية لقائه بزعيم الإسلام السياسي الليبي الفعلي عبد الحكيم بالحاج، في سويسرا، والذي يبدو أنه كان يسعى إلى تأمين مخرج له عبر تونس، التي أصبحت في مرمى عصابات الإرهاب الإسلامي، منذ بضع سنوات، ومهددة بالاجتياح من قبل ميليشيات فجر ليبيا الموالي لعبد الحكيم بالحاج، إلى جانب خطر تسلل داعش، بفضل رجل الأعمال النافذ في تونس الذي لم يكن يخفي صداقته وعلاقته الخاصة بعبد الحكيم بالحاج وحرصه على مساعدته ودعمه، مالياً ومادياً كما جاء في تصريحات كثيرة لرجل الأعمال المشبوه.

ولكن التحولات تكشف أيضاً أن ثمة قرار ما، أمريكي أو خليجي، أو أوروبي، يكشف ما يُشبه بداية مرحلة جديدة في التعامل مع قطر، تقوم على قطع أذرعها، وتقليم أظافرها، بما يتناسب وحجمها من جهة، وحقائق الأرض في المنطقة، بعد فوضى الانتفاضات التي تورطت الدوحة في دعمها، وفي الإنفاق عليها، بحثاً عن عمق ودعم خارجي يؤمن لها ما تفتقده من مكانة وقدرة على التأثير في مجلس التعاون الخليجي.

ويأتي خبر اعتقال عبد الحكيم بالحاج في تركيا، ليوجه صفعة أخرى للدوحة التي لم تكن تتوقع مثل هذا الموقف من الحليف التركي الذي يملك قاعدةً عسكرية في قطر، ويُعد الحليف الموثوق الوحيد في المنطقة بعد العزلة التي تردى فيها النظام القطري، منذ ما قبل القمة العربية الإسلامية الأمريكية بكثير، وتحديداً منذ إعلان وزير الخارجية أن قطر ستظل ملتزمة بتمويل وتسليح المعارضة السورية حتى وإن بقيت وحدها في الميدان إلى جانب المعارضة السورية.

واليوم وبعد التحولات التي تبشر بنهاية الكابوس الذي بدأ في 2011، تجد قطر نفسها ملتزمة حتماً بالاستمرار في دعم المعارضة السورية وفي توسيع وتنويع تعاونها مع إيران كما قال أميرها الشيخ تميم بن حمد، وتفادي التصعيد معها، وتحاشي المواجهة، بما يسمح لها بالاكتفاء بدور المتفرج، ففي الوقت الذي يذبح فيه النظام وإيران، وحزب الله السوريين، تدعم قطر الناجين القلائل من الجحيم السوري بما يتيسر من سلاح ليذبحهم الحليف الإيراني وحزب الله اللبناني على عتبة المصالح القطرية في المنطقة.