صورة تعبيرية. (أرشيف)
صورة تعبيرية. (أرشيف)
الجمعة 2 يونيو 2017 / 20:42

عوام vs عوام

"دعوا الدين لأهله"، نقول لهم لاختصار المشوار الطويل إلى تصحيح معلوماتهم، أو تفنيد شبهاتهم

كنت أتابع عبر هاتفي الذكي نقاشاً راقياً ومتحضراً بين شابة عربية ورجل غربي حيال وضع المرأة في بقعتنا المظلمة من العالم، حين اصطدم الحوار بمطبات سوء الفهم، وبدأ في سقوط إنترنتي حر نحو الهاوية.

لقد جرح هذا الغربي –قاتله الله- قلبها العامر بالإيمان بنقله لرأي فقهي يقول إن الحجاب ليس بالفريضة، وهنا توحّشت أختنا–غير المحجبة، بالمناسبة-، ووثبت "لتمسح به البلاط" في سبيل الله.

لقد تساءلت بلغة إنجليزية ساخرة عن اسم كلية الشريعة التي ارتادها في بلده الأوروبي البعيد، وعن مقدار ما حفظ من القرآن والسنة قبل أن يقدم على الفتوى –وهو لم يفعل-، قبل أن تستجوبه بغضب عن ردة فعله لو كانت قد قامت بالتطفل على طبه كما يتطفل هو على علومنا الدينية. ولم يتبق حقيقة إلا أن تطالبه بالكرامات والمعجزات لتعتق رقبته.

وددت لو كنت "troll"، أي إحدى تلك الحسابات المتخصصة في الاستفزاز وكيل الإساءات، لأنتقم له منها، لا سيما وأنه قد آثر الانسحاب بخجل وصمت.
ولكن خجله وصمته ربما لم يكن لجهله وشحّ معرفته، كما ظنت هي.

لا شك بأن مثل هذه النقاشات مع النصف الآخر من الكوكب تكشف لنا الكثير من فوضى المغالطات التي يحملونها عن معتقداتنا.

ولكن من العجيب أنه سواء كنا في حوار مع غربي مطلّع ومنصف، أو مع أحد أولئك الحمقى المتعصبين الذين يعتقدون أن "الإسلام" هو اسم بلد شرق أوسطي، فإننا غالباً من يسارع بالمبادرة لوضع النقطة الختامية على السطر.
  
"دعوا الدين لأهله"، نقول لهم لاختصار المشوار الطويل إلى تصحيح معلوماتهم، أو تفنيد شبهاتهم. ننبههم بأن للإسلام خاصته، ومشايخه، وكهنوته، والمتبحرين فيه، وهم يظلون الأقدر على تكوين الآراء، وطرح علامات الاستفهام، وتقليب الحقائق، والتشكيك فيما لُقّنوا. "من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب"، نذكّرهم بأقرب ما توصلت إليه "ترجمة غوغل" من مفردات.

بل وأحياناً، نوصد دونهم أبواب النقاش المحترم بعد تأكيداتنا على أن هذا الدين صالح للبشرية الجمعاء، من الرعاة الأميّين إلى خبراء "ناسا"! يا للسخرية.

ألا ندرك أنه لطالما وضعنا هؤلاء الخواص في زاوية الفصل، حيث أدرنا وجوهنا للحائط،، ووقفنا على ساق واحدة، لنفكّر ملياً في جريمة التفكير التي اقترفناها؟ والآن وقد عينا أنفسنا "عريفين" على الفصل بالنيابة عنهم، فمن المضحك أن نتوق إلى جر المزيد من العوام أمثالنا من تلابيبهم، لنلقي بهم في زاوية الصمت، سواء كانوا مسلمين مثلنا، أو من "ديار الكفر".

ألم نتعلم الدرس؟ ألم نحفظ العبرة؟ هل رن علينا جرس الحرية أصلاً كي نتظاهر بنسيان كل ما مررنا به من تعنيف وتنمر؟
ولكن إن كنا مصرين على إعادة تدوير القمع، فلنجنّب أنفسنا الحرج –على الأقل- ونسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية، فلم يعد الآخرون بحاجة إلى "ترجمة غوغل" لفهمنا.