الإثنين 5 يونيو 2017 / 23:52

نهاية المراهقة السياسية القطرية

في فجر اليوم الاثنين 10 رمضان 1438 الموافق لخمسة يونيو 2017 أعلنت أربع دول عربية مقاطعتها لقطر قطع للعلاقات الدبلوماسية، وقطع للتواصل عبر البر والبحر والجو، أو لبعضه بالنسبة لمن ليس له حدود برية مع قطر، وأعطى المواطنون القطريون مهلة 48 ساعة لمغادرة تلك الدول.

 هذه الدول بحسب أسبقية إعلان المقطعة هي البحرين والسعودية والإمارات ومصر. مقاطعة بلا شك، ستكون بعيدة المدى ولن تُحل هذه المرة بتقبيل الرؤوس واللحى. لقد سئمت هذه الدول من لعب النظام القطري الحالي على وتر محبة الشعوب الخليجية لبعضها. اليوم، أعلنت قطر عن انحيازها لإيران، بعد أن كان هذا الانحياز خفياً ولا يصدّق به إلا قلة من المطلعين الذين يعرفون في أي ميدان يركض النظام القطري وفروعه الثورية الإخوانية وغير الإخوانية. نحن أمام أقوى انشقاق يمر على دول مجلس التعاون الخليجي، منذ أن أنشيء هذا المجلس في 1981 لكنه ليس هدماً للمجلس بل إعادة لتأسيسه وحركة تصحيحية فيه. إما أن يقوم التعاون على صدق النوايا وحسن الجوار، بحيث يتجلّى تعاوناً حقيقياً في المجال السياسي والأمني قبل كل شيء، وبحيث تجتمع فيه أيدي الإخوة، ضد الغريب، وإلا فلا حاجة لنا به.

منذ أن وصل حمد بن جاسم إلى منصب رئيس الوزراء ومنذ إنشاء قناة الجزيرة في 1997 منذ ذلك الحين، شعرنا أن هناك شوكة في جسد العلاقة بين قطر وكل العرب. لقد أسست قطر قناة الجزيرة التي كانت ولا زالت بمثابة "قاعدة" للإرهابيين من الدواعش والإخوان المسلمين وأذناب إيران في فلسطين، منها نسمع قادة الإرهاب يجلسون أمام الشاشة ويلقون الخطب التكفيرية على عموم العرب والمسلمين داعين إلى ثورة الشعوب، وفيها نرى كل ثورجي وجد في أي بلد من بلاد الدنيا، وكأننا بميلاد هذه القناة، قد صرنا أمام لينين وقد بُعث من جديد. لم يكتف النظام القطري بهذا، بل حاول بكل جهد أن يُفشل (عاصفة الحزب) حرب التحالف ضد الحوثيين ونظام علي عبد الله صالح في اليمن، من خلال حزب الإصلاح الإخواني الممول قطرياً، ذلك الحزب الذي لم يحرك إصبعاً في المساعدة، بل كان حجر عثرة لكل جهد يسعى لحسم المعركة. وكان النظام القطري الحالي يحاول أن يلقي باللائمة على دولة الإمارات الشقيقة فيما يتعلق بتأخر النصر، على طريقة حمد بن جاسم في إلقاء تبعة جرائمه هو، على خصومه. إلا أن الحيلة لم تنطل، فالسعوديون يعلمون أن الإماراتيين هم حلفاؤهم الحقيقيون الذين صدقوا معهم من أول يوم، وقفزوا معهم في نفس الخندق منذ إعلان الملك سلمان عن ساعة الصفر، وشهودها، الشهداء من السعوديين والإماراتيين الذين اختلطت دماؤهم على أرض اليمن. هذه حقائق نراها على الأرض، ولن يستطيع حمد بن جاسم ولا حمد بن خليفة ولا تميم بن حمد أن يزيفوها من خلال قناة التزييف التي أوجدوها.

ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر بعير الإخوة، عندما سعى تميم بن حمد لإفشال قمم الرياض. لماذا سعى لإفشالها؟ لأنها قمم كانت تسعى لتكوين حلف عالمي ضد أعدائنا من الإيرانيين وغيرهم. هذا العدو اتضح أنه حليف لقطر. محاولة إفشال قمم الرياض، فضحها الرئيس الأمريكي وعرضها على الحاضرين لكلمته في 22 مايو مُظهراً بذلك حسن نواياه فيما يتعلق بالشراكة والتحالف مع التحالف العربي المعتدل الذي يتزعمه الملك سلمان. قبل قمم الرياض بأسبوع، أرسل تميم وزير خارجيته محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى طهران حاملا مكيدة جديدة، وقد استقبله قائد الجيوش الإيرانية في سوريا والعراق، الجنرال قاسم سليماني، ودار الحديث عن خطة لإفشال مساعي الدول المجتمعة في قمم الرياض الجادة لإنهاء الحرب والمأساة في سوريا والعراق، وقد وعد سليماني بمكافأة قطر على هذا النهج الذي انتهجته. الرئيس ترامب أغضبه جدا أن يصافحه تميم بحرارة بينما هو يتآمر لصالح إيران، وفي نفس الوقت يستمتع بالحماية الأمريكية التي تأتيها من وجود أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط في منطقة العُديد، جنوب غرب الدوحة.

 هذا التذاكي مستفز، ولذلك لم يتردد ترامب في فضحه على الملأ. هذه الفضيحة أو الإهانة، هي سبب الغضبة التي انطلقت منها تلك التصريحات المتهورة المأزومة التي بثها تميم عبر وكالة الأنباء القطرية حيث انتقد السعودية والإمارات وأمريكا ومصر وإصرار هذه الدول على معاداة إيران. لكن تميم ندم على تصريحاته وادعى بعد ذلك، على لسان الإخواني عبد الله العذبة، رئيس تحرير جريدة العرب القطرية، أنها مفبركة، وألقى العذبة باللوم على الأستاذ سعود القحطاني المسئول الإعلامي في الديوان الملكي السعودي وادعى أنه هو من اخترق وكالة الأنباء القطرية، رغم ما في هذه الدعوى القطرية من سخف وصبيانية. وكان من الطبيعي والمتوقع وهو من أبسط الحقوق، أن يشن الإعلام السعودي والخليجي حملة ضد قطر وضد خيانتها لإخوانها العرب والخليجيين وطعنهم في الظهر، وركضها لحضن العدو، في لحظة كانت الدول العربية والإسلامية كلها تعيش حفلاً كبيراً في الرياض، لتظهر اتحادها وتوحدها على يد الملك سلمان، والد الجميع.

المطالب التي تريدها المملكة والإمارات ومصر من قطر واضحة وسهلة: لا بد أن تقطع قطر صلاتها العسكرية والاستخباراتية بإيران. لا بد أن تلغي كل الاتفاقات التي تعهدت بها لإيران فيما يتعلق بسوريا والعراق وليبيا، وكل اتفاقية تتعلق بسيادة بلد عربي على أرضه. أن تلغي قطر كل المزايا وترتيبات اللجوء السياسي التي تمنحها لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وأن ترحلهم فوراً عن الأراضي القطرية. ولا بد أن تترك المراوغة في تنفيذ تلك المطالب لأنه لن يتضرر من المراوغة سواها.

هذه هي نهاية قصة العبث والمراهقة السياسية التي مارستها قطر من التسعينات إلى اللحظة، ولن يستفيد تميم بن حمد من مستشاره السياسي الثوري عزمي بشارة، عرّاب الثورات، إلا أنه إذا احتدمت الأمور سيحمل حقيبته ليعود مواطناً إسرائيلياً من جديد، هذا إن قبلت به إسرائيل.

هناك قضية مهمة أخيرة تتعلق بهذا الموضوع لا بد من تسليط الضوء عليها، وهي أن العقوبات التي ستقع على قطر فاتورة مفتوحة، ليس هناك حدود لما قد يقع. إعلان المقاطعة الذي تم اليوم ليس نهاية المطاف ولا آخر الإجراءات كما هو ظاهر، هو فقط عبارة عن ذوبان الجليد عن قمة جبل. دمتم في عافية.