الكاتب الروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة. (أرشيف)
الكاتب الروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة. (أرشيف)
الأربعاء 7 يونيو 2017 / 21:30

رشيد بوجدرة في تلفزيون التكفير الناعم

ليست الجزائر وحدها في هذه الحال من انحطاط بعض القنوات فأغلب القنوات الإعلامية العربية باتت تشن حرب التفاهة والسباق المحموم نحو الآتفه والأكثر سفاهة

1-
خرجت مظاهرة تضامنية في الجزائر، في الأسبوع الاول من رمضان مع الكاتب الروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة شارك فيها شقيق الرئيس الجزائري، وموضوع المظاهرة هو احتجاج على القناة الفضائية الجزائرية "النهار" التي سجلت في برنامج الكاميرا الخفية حصة مع رشيد بوجدرة وبثتها دون موافقته، واعتبرت القناةُ مخالفةً لقانون البث دون موافقة الضحية .

وليس هذا هو الخطر في الموضوع، فسبب المظاهرة هو ردود أفعال شرسة من الجانبين، ولكن هناك لهجة غالبة هي المحتجة والمعترضة والمساندة للكاتب الجزائري الذي أوقعوه في فخ الكاميرا الخفية بطريقة تستدعي السوْال الأكبر: هل صار التلفزيون وسيلة إعلام أم وسيلة تحرض على القتل والإعدام ؟

2-
ما تعرض له رشيد بوجدرة هو عملية تفتيش في الضمائر، والبحث عن السرائر وتم كل هذا في مسرحية سخيفة الإخراج، وكان الكاتب بطيبته المعهودة يضحك في البداية، ثم سرعان ما انقلب المشهد والحوار، وقبل أن يبدأ الحوار كانت الشرطة المسرحية حاضرة تستجوب الرجل عن تفكيره ومعتقده، وهو الذي أعلن ذات يوم إيمانه بالمبادئ الشيوعية، وبناء عليه استدرج بوجدرة المبدع والروائي إلى مربع غريب وليس من اختصاصه وهو مربع العقيدة، وانصاع للمقلب الخفي، فقد تم انتزاع الشهادتين منه، بصفة استنطاقية وساخرة وخالية من كل قدسية، حتى إن مقدم البرنامج انفرط في الضحك من سخرية المشهد الفظيع .

3-
ولسائل أن يسأل :
ما الداعي لمحكمة التفتيش في ضمير مواطن جزائري برتبة كاتب في مقام رشيد بوجدرة، وفي شهر رمضان ؟ وهل صارت الكاميرا الخفية سلطة ساخرة تنفذ برنامجاً شديد الجدية وقريباً من الجماعات التكفيرية من القاعدة وداعش وأخواتهما التي باتت تستغل شهرة شهر رمضان بالتقوى والإيمان لتغطي برنامجها الرامي إلى زرع الفتنة في بلد مثل الجزائر وقد عرف وذاق مرارات عشرية سوداء قوامها الاغتيال والتكفير وفاتورتها قتل الأبرياء وترويع العائلات وذبح الاطفال، واغتيال الصحفيين والكتاب والفنانين وكل من يجاهر بالراي ضدهم .

4-
لم يكن اعتذار مسؤولي القناة كافيًاً لإنهاء النقاش بعد أن وقعت واقعة التفتيش في ضمير كاتب جزائري أعماله الروائية مترجمة الى كل اللغات الحية . ومن المستفيد من هذا الجدل الساخر وهو يريد في البداية أن يتطور إلى محاكمة القناة وفلسفة التلفزيون وفتح موضوع الكاميرات العلنية منها والخفية لبث سموم الفكر التكفيري، ليتحول في النهاية إلى مربع حرية الصحافة والصحافيين من جديد، وهي ذريعة طالما تذرع بها الإخوان المسلمون الذين يعتبرون الديمقراطية سُلَّماً صنعه الكفار لهم حتى يرتقوا الى الحكم، واذا وصلوا الى مبتغاهم، رموا بالسلم في النار ومنعوا غيرهم من فرصة في الصعود .

5-
ليست الجزائر وحدها في هذه الحال من انحطاط بعض القنوات فأغلب القنوات الإعلامية العربية باتت تشن حرب التفاهة والسباق المحموم نحو الآتفه والأكثر سفاهة .

وما حصل مع رشيد بوجدرة في الجزائر حصل مع الراحل التونسي محمد الطالبي في تونس حين حاوروه في التلفزيون بشكل استفزازي، ولم يكن الرجل وقد جاوز التسعين عاجزاً عن الرد والجدل، ولكن أي جدال في التلفزيون الكافر بالنقاش والنقد ؟

ويبدو أن التلفزيون قد انسحب نهائياً من الثقافة، ومن النقاش واندمج في التهافت والتساقط، فالتلفزيونات العربية، في نسبة عالية منها توفر أطباق البلاهة والاستفزاز للفوز بنسبة المشاهدة الأعلى وما يتبعه من رغبات الجمهور العريض وتأسيساً عليه، فإن هذه النظرة في البرمجة تتم بكاميرات خفية وعلنية لإخفاء محاربة أهل الفكر والرأي وضرب الرموز الفكرية والعلمية حتى لا يبقى في البلد غير فكر واحد أحد .

6-
هل ما حدث للكاتب رشيد بوجدرة هو بداية لعودة لهجة التكفير باسم السخرية والكاميرا الخفية، التي تختفي وراءها محاكمة بتوقيع داعش العابس بل داعش البشوش الضاحك والقائم على مبدأ التكفير الناعم؟