مسملون يضيئون الشموع تكريماً لأرواح ضحايا هجوم مانشستر.(أرشيف)
مسملون يضيئون الشموع تكريماً لأرواح ضحايا هجوم مانشستر.(أرشيف)
الأربعاء 7 يونيو 2017 / 20:22

انتخابات بريطانيا وسيفا الإرهاب والعنصريّة

أخطر ما عداه ممّا "أنجزه" الارهاب الإسلاميّ صبّه الزيت على نار المطالبات اليمنيّة المتطرّفة

كان المتوقّع أن يحتلّ الاقتصاد والتفاوض مع الاتّحاد الأوروبيّ صدارة الاهتمام في الانتخابات البريطانيّة العامّة التي تُجرى اليوم. لكنْ لا. فجأة حضرت مسألة الأمن والارهاب واحتلّت الصدارة. السجال السياسيّ بين حزبي المحافظين والعمّال صار يتقدّمه هذان العنوانان شبه الوحيدين، الأمن والارهاب:

رئيسة الحكومة المحافظة تيريزا ماي ومؤيّدوها يتّهمون القائد العمّاليّ جيريمي كوربن بالرخاوة حيال الإرهابيّين الإسلاميّين، ويُلمحون إلى "لطفه" الزائد حيال بعض تنظيماتهم، بل "صداقته" لها، كما يذكّرون بتاريخ تصويته كنائب لغير مصلحة التشدّد الأمنيّ.

وبدوره فإنّ كوربن ومؤيّديه يتّهمون رئيسة الحكومة بالمسؤوليّة عمّا حصل. فهي، كوزيرة داخليّة لأربع سنوات في حكومة ديفيد كاميرون السابقة، سرّحت الآلاف من رجال الشرطة استجابةً منها لنظريّات التقشّف الاقتصاديّ. هكذا تركت فجوات أمنيّة كبرى تسلّل منها الإرهاب.

أن يتحوّل السجال من الاقتصاد والتفاوض مع أوروبا إلى الأمن والإرهاب فهذا، للأسف، طبيعيّ جدّاً اليوم. ذاك أنّه خلال ثلاثة أشهر فقط شهدت بريطانيا ثلاث عمليّات إرهابيّة كبرى أودت بعشرات المدنيّين الأبرياء، اثنتان منها في العاصمة لندن والثالثة في مدينة مانشستر بالشمال.

فوق هذا، ووفقاً لكلام ردّده مارك راولي، أكبر الضبّاط البريطانيّين في مكافحة الإرهاب ونائب مفوّض شرطة المدينة، "تحتاج بريطانيا لأن تغيّر استراتيجيّتها جذريّاً من أجل إيقاف الهجمات الجهاديّة. ذاك أنّ التهديد اليوم ينتمي إلى مستوى من الخطر يختلف كلّيّاً عن السابق". أمّا التغيير المطلوب، وفقاً لراولي، "فسوف يشمل الشرطة وجهاز أم أي 5 والجماعات السكّانيّة وشركات التكنولوجيا والقانون وسياسات أخرى". أي أنّ الحياة البريطانيّة في معظم جوانبها سوف تخضع لمزيد من الضبط والرقابة الأمنيّين.

وقبل راولي، كانت رئيسة الحكومة تيريزا ماي قد أوحت بهذه الوجهة الجديدة حين قالت enough is enough التي تُرجمت إلى العربيّة بـ "لقد طفح الكيل".

بعد ذاك عادت ماي نفسها لتقول كلاماً أخطر مؤدّاه أنّها ستغيّر القوانين المتعلّقة بحقوق الإنسان إذا ما أعاقت التعامل مع المشتبه بأنّهم إرهابيّون، وأنّها ستسهّل ترحيل المشتبه بهم و"تحدّ من حرّيّة وتحرّكات" أولئك الذين يمثّلون تهديداً.

يحصل هذا في بلد الحرّيّة والليبراليّة الأمّ، في بريطانيا التي اشتُهر البوليس فيها بأنّه بين الأقلّ تسلّحاً في أوروبا. والحال أنّ أخطر ما عداه ممّا "أنجزه" الارهاب الإسلاميّ صبّه الزيت على نار المطالبات اليمنيّة المتطرّفة على صعيدين:

من جهة، مسألة الأمن والنظام التي كانت دائماً عزيزة جدّاً على قلوب من هم في أقصى اليمين. واليوم، بعد الأعمال الإرهابيّة الثلاثة، باتت هذه الحجّة أقوى من أيّ وقت سابق، بحيث لم يعد في وسع المعارضة الديمقراطيّة الليبراليّة وتمسّكها بحقوق الفرد وحرّيّاته أن تقف في وجهها.

ومن جهة أخرى، مسألة المجتمع التعدّديّ ثقافيّاً ودينيّاً وإثنيّاً. فوسط هذه المعمعة الدمويّة، تقوى وتشتدّ انتقادات بعضها القليل هادئ ومفيد، يتحفّظ على مبالغات المجتمع التعدّديّ وعلى وعوده المتسرّعة وشبه الطوباويّة. إلاّ أنّ معظم هذه الانتقادات يجنح يميناً، وغالباً إلى اليمين العنصريّ والأقصى.

 هكذا نراه يشكّك بـ "قابليّة المسلمين" للعيش في مجتمع ديمقراطيّ حديث، أو يروّج خرافة الماضي القوميّ المنسجم لـ "إنكلترا الصغرى" التي لا يخالطها غريب أو مختلف. وأسوأ ممّا عداه ذاك التزايد النوعيّ في جرائم الكراهية ضدّ مسلمين، لا سيّما بعد جريمة مانشستر (26 مايو/ أيّار، حيث قضى 22 ضحيّة بينهم أطفال).

وفي الإطار هذا، لا يمكن إلاّ توجيه التقدير والتحيّة للأئمة والمشايخ الذين فاق عددهم الـ 130، المقيمين في بريطانيا، والذين رفضوا الصلاة على مرتكبي الجريمة الأخيرة في لندن، مُبدين قرفهم واشمئزازهم من فعلتهم.

لكنْ عموماً، وبقياس النتائج، لا تخطئ العين ذاك التحالف الموضوعيّ بين طرفي الكراهية: الإرهاب الإسلاميّ والوعي العنصريّ، حيث يعزّز كلّ منهما الآخر ويوفّر له الحجج والذرائع.

أمّا الانتخابات اليوم، فأغلب الظنّ أن تزوّدنا بمسرح غنيّ تُستعرض على خشبته هذه المستجدّات البشعة.