السبت 10 يونيو 2017 / 22:46

قطر... وترف التميز والنفوذ

لو دققنا في السياسة القطرية، التي أدت إلى اندلاع الأزمة الراهنة، لوجدنا أن معظم فصولها إن لم يكن جميعها، لم يكن ضرورياً لا لمصلحة قطر كدولة ومجتمع، ولا لمصلحة الانتماء القطري الكياني والاجتماعي والجغرافي الذي يختصر بجملة واحدة " البيت الخليجي" الذي هو ركن أساس من أركان المبنى العربي الأكبر.

كان بوسع قطر، أن تضع أسقفاً معقولة لسياساتها من أجل التميز، وهذا أمر متاح في مجال العلاقات السياسية والتحالفية، إلا أن الشطط ورفع الأسقف... أدى إلى الانتقال من التميز المعقول والايجابي، إلى الجموح الذي يراكم عداوات مهما جرى التحايل عليها، وكثرت محاولات احتوائها إلا أنها لابد وأن تنفجر دفعة واحدة، على نحو لا يهدد الاتجاه السياسي فحسب، بل الدولة ونظامها السياسي.

قيمة قطر بالنسبة لحلفائها مثل إيران والعديد من فصائل الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان أنها دولة خليجية، أي أنها وهي تغرد خارج سربها الأصلي، تصلح لأن تكون اختراقاً وليس امتداداً، وهذه المعادلة تخدمها مساحة التغاضي الخليجي عن الجموح القطري، كان التغاضي مبرراً بتفضيل سياسة الاحتواء على المجابهة والردع.. ولكن حين يصل فرز القوى والمواقف حدود المصيرية، فإن سياسة الاحتواء تتراجع لمصلحة سياسة أخرى، قوامها اجراءات جراحية غير مسبوقة، وهذا ما يحدث الآن.

دول الخليج وفي زمن الربيع العربي بالذات، ظلت الظهير الآمن والمستقر، لدول الاعتدال العربي وتعبيرها المشرقي الأردن ومصر، فقد نجت من الوباء الذي أصاب دولاً عربية مفصلية مثل سوريا والعراق واليمن، وضمنت توازناً إيجابياً.. إن لم يقض على الخطر الذي جاء به الربيع العربي تحت عناوين متعددة، فقد فتح باباً لاحتوائه على أمل واقعي بالتغلب عليه حد إنهائه.

فما لزوم التحالف القطري مع إيران في هذه الحالة، وما لزوم معاداة مصر لمصلحة الإخوان الذين اخذوا فرصتهم في غزة أولاً ثم مصر أخيراً، وها نحن نرى عذاب غزة كما رأينا هشاشة حكم الإخوان في مصر بحيث لا مصر لو استمر هذا الحكم سنة اخرى.

الوضع الطبيعي لقطر، أن تراجع حساباتها، وأن تجد صيغة لتوافق ومنطقية الطموح مع الإمكانيات الذاتية، وأن تدرك أن الأدوار لا تشترى ولا تستأجر، وان المال لا يكفي وحده لصنع النفوذ... وأن الانتماء أولاً للمنظومة

الأقرب سياسياً وكيانياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً ثم للمنظومة الأوسع تاريخياً واستراتيجياً، بعد ذلك لا ضرر من أي علاقة مع أي جهة، فالضرر كل الضرر يأتي من القفز عن الحقائق والمسلمات البديهية لمصلحة رهانات مترفة وغير ضرورية بكل المقاييس.