الشيخ يوسف القرضاوي.(أرشيف)
الشيخ يوسف القرضاوي.(أرشيف)
الأحد 11 يونيو 2017 / 20:29

قطر المُلهمة برئيسها المنتخب أو بأمير مؤمنينها

ستكون قطر مفهومة ومقنعة وملهمة في هذا المشروع حين تتنحى الطبقة الحاكمة حالياً عن الحكم، ويختار الشعب القطري الشقيق هيئة تأسيسية تعد دستوراً جديداً للبلاد

في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أخذت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي تمارس ضغوطاً على الدول العربية لتحديث أنظمتها السياسية والتوجه نحو تبني نظم ديمقراطية وإعطاء الشعوب العربية حق المشاركة السياسية.. وكانت هذه الضغوط، بغض النظر عن أهدافها غير المعلنة، مفهومة من حيث أن تلك الدول تتبنى أنظمة ديمقراطية فعلاً. 

وفي أعقاب الثورة الإيرانية سنة 1979، أخذ نظام الخميني يحرّض شعوب المنطقة على الثورة وتبني المشروع الإسلامي المعادي للغرب.. وكانت هذه الدعوات، بغض النظر عن أهدافها غير المعلنة، مفهومة من حيث أن الشعب الإيراني تبنى هذا الخيار الغبي، وأضحى بلده خربة يعيث فيها الملالي فساداً بحجة معاداة الإمبريالية العالمية، وأبناؤه صرعى في حروب تصدير الثروة.

وهكذا أيضاً مع المجنون الليبي معمر القذافي، فقد كان يدعو لأمور ويطبقها على شعبه أولاً، ويعتقد أنه توصل إلى نظريات فريدة من نوعها في أنظمة الحكم، وكان يطبق نظرياته الغريبة على بلاده. كان مجنوناً لكن صادقاً مع نفسه، وكان يكفي أن تأخذ جولة في أرجاء ليبيا لتعرف أن الرجل صادق في كل كلمة بلهاء يقولها.

وسواء كنت تدعو لخيار جيد كالديمقراطية وحق المشاركة الشعبية، أو خيار سيئ كالثورة الدينية ومعاداة الغرب، أو اللجان الشعبية والنظرية الثالثة وبقية خزعبلات القذافي، فعليك أن تلتزم أولاً بما تدعو إليه، لتكون مفهوماً في المقام الأول، ولتكون مقنعاً في المقام الثاني، ولتكون ملهماً في المقام الثالث، وهي الأمور الثلاثة التي لا تتوافر في ما يدعو إليه النظام القطري.

للدوحة مشروعان اثنان تعمل عليهما منذ عقدين من الزمان، المشروع الأول يتمثل في تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى واحة للحرية والديمقراطية، والمشروع الثاني يتمثل في التمكين لجماعات الإسلام السياسي وإعطائها فرصة الوصول إلى السُلطة، باعتبار الإسلاميين جزءاً من نسيج شعوب المنطقة ولهم الحق في الحكم.

عشرون عاماً فترة كافية لإرساء أسس الديمقراطية في أي بلد، وعشرون سنة فترة كافية لأسلمة أي بلد من الألف إلى الياء، لكن مرت كل هذه السنوات ولم تتقدم قطر خطوة نحو الديمقراطية، فلا برلمان منتخباً، ولا رقابة شعبية، ولا مشاركة سياسية من كائن من كان. ولم تتقدم قطر خلال السنوات العشرين متراً واحداً نحو الأسلمة، وتطبيق عقوبات قطع اليد والرجم مثلاً، ومنع الاختلاط في الأماكن العامة، وتغيير المناهج بما يرضي أهل اللحى والعمائم.

كل هذا لم يحدث، فالديمقراطية في قطر كانت صفر قبل عشرين سنة، ولا تزال كذلك، أما بالنسبة للمشروع الإسلاموي، فقد حدث العكس تماماً، فقطر كانت قبل عشرين سنة أكثر محافظة و"تديناً" مما هي عليه الآن، بمعنى أن قطر، فضلاً عن عدم تطبيقها أي شيء مما تدعو إليه في المشروع الإسلاموي، فإنها في كل يوم تبتعد أكثر في واقعها الداخلي عن ذلك المشروع الظلامي.

فمتى إذن ستكون قطر مفهومة، ومقنعة، وملهمة؟ الجواب بسيط جداً ولا يحتاج إلى تفكير طويل: حين ستطبق أحد المشروعين على نفسها، إذ لا يمكن تطبيق المشروعين معاً، فلا يمكن الجمع بين الديمقراطية والأخونة أو الأسلمة، ولا يمكن الجمع بين الحرية وبين قصص ثوابت الأمة. والحديث هنا عن الديمقراطية الحديثة، وليس عن الديمقراطية التلفيقية الإخوانية التي تزعم أن الشورى والديمقراطية مسميان لمعنى واحد.

لنأخذ مشروع الحرية والديمقراطية، وعرّابه المفكر الإسرائيلي عزمي بشارة، ستكون قطر مفهومة ومقنعة وملهمة في هذا المشروع حين تتنحى الطبقة الحاكمة حالياً عن الحكم، ويختار الشعب القطري الشقيق هيئة تأسيسية تعد دستوراً جديداً للبلاد، تؤكد مواده على قيم الحرية والمساواة والكرامة، تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

بعد إجراء الانتخابات الرئاسية وفوز المرشح الرئاسي السيد غانم محمد علي صالح عبدالله رئيساً لجمهورية قطر الديمقراطية، وانتخاب أعضاء البرلمان القطري الذي يملك كافة صلاحيات الرقابة والتشريع، والبدء في سن القوانين التي لا تخرج عن الإطار الذي وضعه الدستور، ستبدأ شعوب المنطقة في استقبال الرسائل القادمة من قطر.

وبطبيعة الحال، لا بد من ترسخ التجربة الديمقراطية في قطر لأربع سنوات على الأقل، ترى خلالها شعوب المنطقة الرئيس القطري وهو يُحاسب من شعبه، ويفضّل أن نراه يركب دراجة وهو يتنقل في شوارع الدوحة، ويأكل في مطاعم الهمبرغر، والبرلمان القطري يلعلع وهو يراقب الحكومة، والصحافة الحرة لا توفر رئيساً ولا عضو برلمان، ولا وزيراً ولا خفيراً، فالكل محاسب ومراقب.

بعد حصول كل هذا، ستنزل شعوب المنطقة إلى الشوارع مطالبة بالاقتداء بالتجربة القطرية، وستكون دعوات القطريين للشعوب باستلهام تجربتهم الرائعة مفهومة، ومقنعة، وملهمة. بل أعتقد أنه لا حاجة ليفتح قطري فمه، فمجرد رؤيتهم ينعمون بالحرية والديمقراطية كافٍ لتنزل الشعوب إلى الشوارع.

أما إذا اختارت قطر تطبيق المشروع الإسلاموي الذي تدعمه حالياً في دول أخرى، وعرّاب هذا المشروع هو آية الله يوسف القرضاوي، فإن قطر ستكون مفهومة ومقنعة وملهمة إذا تنحت الطبقة الحاكمة عن الحكم، واجتمع أهل الحل والعقد من أهل قطر في فيلا السيد قرضاوي، أو أي شيخ دين آخر تتوفر فيه صفات الحاكم الإسلامي العادل والحكيم، ويفضّل لدواعي المصداقية ألا يكون قطرياً، إذ المؤمنون إخوة، واختاروه خليفة على قطر، وبايعوه على السمع والطاعة، وألبسوه عمامة مرصعة بياقوتة خضراء، وأعلنت قطر أنها أصبحت دولة قطر الإسلامية.

ولا يكفي أن تفعل قطر ذلك لتكون مفهومة ومقنعة وملهمة، بل لا بد أن تترسخ التجربة الإسلاموية في قطر، فتطبق قطر الشريعة الإسلامية بحذافيرها، ويتأكد لدى شعوب المنطقة أن شعار الإسلام هو الحل كان صائباً طوال الوقت، فها هي قطر حفظها الله التي أسلمت وجهها لله وحكمت بما أنزل، فُتحت من فوقها أبواب السماء، وعمّت فيها الخيرات والمسرات.. عندها، ستنزل الشعوب إلى الشوارع ترفع شعار الإسلام هو الحل وتطالب بتطبيق التجربة القطرية، أو حتى الانضمام إلى قطر تحت حكم أمير المؤمنين صاحب العمامة المرصعة بالياقوتة الخضراء.

ما لم تطبق قطر أحد هذين المشروعين، أو على الأقل تبدأ في تجربة أحدهما، فقط تبذر نواة الحكم الديمقراطي أو الحكم الإخواني، لئلا أكون خيالياً وأطالب بأمور تعجيزية، فقط البدايات والأساسيات وليس أكثر من ذلك، فإنها ستبقى دولة مفضوحة تلعب على المكشوف، وتستغل الديمقراطية/ الإسلام، للتأثير على شعوب المنطقة خدمة لأهدافها، ولا بديل عن مواجهتها والتصدي لها.