لوحة عليها صورة امير قطر السابق الشيخ حمد في غزة.(أرشيف)
لوحة عليها صورة امير قطر السابق الشيخ حمد في غزة.(أرشيف)
الأحد 11 يونيو 2017 / 20:43

إمارة وراء البحار

لم تكن قطر الوحيدة في لعبة تحويل القطاع إلى بيدق على رقعة شطرنج إقليمية ودولية أكبر، فقد دخلت إيران وتركيا على خط اللعبة، وكذلك نظام آل الأسد، قبل اندلاع الثورة على النظام

 لكل بلد من البلدان العربية مشكلة من نوع ما مع قطر، التي أصبحت في عين العاصفة الآن. وبقدر ما يتعلّق الأمر بالفلسطينيين، شعباً وقضية، فإن دخول حكّام قطر على خط الصراع العربي والفلسطيني ـ الإسرائيلي، على مدار العقدين الماضيين، ألحق الكثير من الضرر بالشعب والقضية في آن. ففي سياق تحالفها مع الإخوان المسلمين تحوّلت قطر إلى المُموّل الرئيس، والمنبر الإعلامي الأوّل، والحامي الأكبر، بالمعنى السياسي والدبلوماسي، لفرع الإخوان في فلسطين، أي حركة حماس.

وليس ثمة ما يبرر العودة إلى تواريخ بعيدة، بل التفكير في الكارثة التي لحقت بالفلسطينيين، شعباً وقضية، بعد استيلاء حماس على قطاع غزة، في انقلاب مسلّح، في العام 2007. جاء الانقلاب بعد عامين على انسحاب إسرائيل، وتفكيك مستوطناتها، وإخراج مستوطنيها من القطاع. وكانت تلك فرصة ذهبية لإعادة ترميم وتطبيع الحياة في ذلك الجزء من فلسطين، بعد 38 عاماً من الاحتلال.

ولكن استيلاء حماس على القطاع عطّل كل إمكانية في هذا الاتجاه. وعلى مدار السنوات العشر الماضية، تعرّض القطاع لثلاث حروب طاحنة. الأولى في العام 2008، استمرت 23 يوماً، وحصدت أرواح 1436 من المواطنين، إضافة إلى 5400 جريح، كما تضرر بشكل كامل أو جزئي 21 ألف مسكن. والثانية في العام 2012، استمرت 8 أيام وأسفرت عن مقتل 162 مواطناً، وإصابة 1300 آخرين، علاوة على تدمير 1700 مسكن بشكل كامل أو جزئي. والثالثة في العام 2014، استمرت 51 يوماً، وقُتل فيها 2322 من المواطنين، وجرح 11 ألفاً غيرهم، ناهيك عن تدمير 12 ألف مسكن بشكل كامل، وإصابة ما يزيد عن 160 ألف مسكن بأضرار جزئية.

ولا يشمل هذا كله ما لحق من دمار بالمؤسسات العامة، والبنية التحتية، والخسائر الاقتصادية، ناهيك عن الآثار النفسية والاجتماعية المباشرة، وغير المباشرة، لظروف وتداعيات الحرب والحصار على حياة مليونين من البشر، وهذا ما لا يمكن قياسه بالأرقام. ولا يشمل، أيضاً، الضائقة الاقتصادية، حيث يصل عدد العاطلين عن العمل في القطاع قرابة 40 بالمائة من الأيدي العاملة، وتردي البنية التحتية والخدمات، ونضوب مياه الشرب، وتلوّث ما توفر منها، ناهيك عن القمع وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات.

إضافة إلى هذا كله، منح استيلاء حماس على قطاع غزة الإسرائيليين ذريعتين سياسيتين يسمعهما الناس صباح مساء. الأولى: عدم وجود شريك، والثانية: عدم كفاءة الفلسطينيين، وسوء نواياهم. وللتدليل على أمر كهذا يتذرّع الإسرائيليون بالانقسام السياسي والأيديولوجي والجغرافي بين "سلطتي" غزة ورام الله، للتشكيك في تمثيل السلطة الوطنية، ومنظمة التحرير، للشعب الفلسطيني. وهذا يعني، في نظرهم، عدم وجود شريك يحظى بشرعية تمثيلية كافية يمكن التفاوض معه.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بالذريعة الثانية، فإن وقوع القطاع في قبضة حماس، وإطلاق الصواريخ منه على مستوطنات وبلدات محاذية للقطاع، يدل في نظرهم على مخاطر الانسحاب من مناطق إضافية في الضفة الغربية، وتسليمها للسلطة الفلسطينية، التي لم يسبق وعجزت عن تحقيق الأمن والاستقرار في قطاع غزة وحسب، بل وسرعان ما طُردت من هناك على يد حماس، التي حوّلت القطاع إلى ثكنة مُسلّحة.

والأهم من هذه الذرائع أن نجاح حماس في الاستيلاء على قطاع غزة حقق للإسرائيليين، بطريقة غير مباشرة، أحد أهم أهدافهم الاستراتيجية للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وخلاصة الاستراتيجية الإسرائيلية الفصل الجغرافي، والسياسي (إذا أمكن) بين الضفة الغربية، التي يقطنها أقل قليلاً من ثلاثة ملايين نسمة، وقطاع غزة، الذي يقطنه قرابة مليوني نسمة. وقد تحقق هذا الفصل بطريقة حاسمة بعد العام 2007، وتكاد حركة البضائع والأشخاص تكون شبه معدومة في الوقت الحالي بين الجانبين. وعلى خلفية الهدف الاستراتيجي لم يكن هدف إسرائيل في سلسلة حروب متلاحقة على قطاع غزة إسقاط حكم حماس، بل إرغامها على الاعتراف بشروط وقواعد واضحة للردع.

لم تكن قطر الوحيدة في لعبة تحويل القطاع إلى بيدق على رقعة شطرنج إقليمية ودولية أكبر، فقد دخلت إيران وتركيا على خط اللعبة، وكذلك نظام آل الأسد، قبل اندلاع الثورة على النظام. ومع ذلك، كانت قطر أهم وأكبر اللاعبين.

وهذا بدوره، أسهم في إطالة أمد الحصار على غزة، وإفشال محاولات إنهاء الانقسام، كما أسهم في تكريس استراتيجية الفصل الديمغرافي والجغرافي الإسرائيلية، وفي تمكين حماس من الاحتفاظ بالرهينة كل تلك السنوات. واليوم، يتصرّف ممثل قطر في غزة، الذي يبني لنفسه بيتاً خاصاً، ومقراً لسفارته، على أرض المهبط القديم لطائرة الرئيس الراحل عرفات، وكأنه المندوب السامي في إمارة من أملاك بلاده "وراء البحار".