وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف.(أرشيف)
وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف.(أرشيف)
الإثنين 12 يونيو 2017 / 20:21

ليس كل محمود درويشاً

"العدو" يجيد أكثر منا تشخيص أعدائه، فيتذكر رموزنا دائماً رغم نسياننا لهم، ويسعى لمحو أثرهم من الذاكرة ومن الوجدان الشعبي بمساعدة "أصدقاء" يتطوعون لتغيير المناهج الدراسية وتنقيتها

أثارت وزيرة "الثقافة" الإسرائيلية ميري ريغيف أزمة جديدة أمس حين هاجمت اتحاد الملحنين في الكيان بسبب إقراره مشاركة الفنانة الفلسطينية ميرا عوض في حفل الاتحاد السنوي بأداء قصيدة للشاعر الراحل محمود درويش.

وعبرت الوزيرة اليمينية المتطرفة عن غضبها من هذه المشاركة التي "تمنح منصة في حفل رسمي إسرائيلي لشاعر العدو"، وأوضحت أيضاً أنها لا تعترض فقط على شعر درويش ولكن على شخصه أيضاً.

بالطبع، لم يكن تصريح ريغيف مفاجئاً أو صادماً لنا، لأن "العدو" يجيد أكثر منا تشخيص أعدائه، فيتذكر رموزنا دائماً رغم نسياننا لهم، ويسعى لمحو أثرهم من الذاكرة ومن الوجدان الشعبي بمساعدة "أصدقاء" يتطوعون لتغيير المناهج الدراسية وتنقيتها من كل ما يمكن أن يزعج "العدو" أو يستفزه.

لم نعد نرى أثراً لدرويش في مناهجنا أو في إعلامنا الذي يجهد في ترويج "ثقافة السلام" وتعميم التطبيع مع العدو الذي لم يتراجع لحظة عن كراهيته المطلقة لكل ما هو فلسطيني أو عربي. واستبدلت قصائد درويش الخالدة بقصائد ركيكة في مديح الظلال غير العالية، واستولى شعراء وكتاب قليلو الموهبة مبالغون في الطاعة على منابر كانت ذات يوم تعلو بقامات درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد ومريد البرغوثي وغسان زقطان.

صغر كل شيء، واستبدلت نجومنا التي كانت تضيء البلاد وما حولها بأسماء باهتة يتم تلميعها كل يوم.. ولا تلمع، بل تظل باهتة تبحث عن لمعانها في رخام بلاط القصور.

تجاهر المرأة الإسرائيلية الليكودية بكراهيتها لمحمود درويش، وهي بالضرورة تكره سميح القاسم وتوفيق زياد وإميل حبيبي، لأن هؤلاء هم الأعداء الحقيقيون للمشروع الإسرائيلي، ولأن المبدعين وليس السياسيين هم الأقدر على ترسيخ المقاومة لهذا المشروع الكولونيالي.

ولعل أهم ما ورد في تصريحات المرأة الليكودية في حديثها عن الشاعر الكبير هو وصفه بالعدو رغم رحيله عن الدنيا، ذلك لأنها تعرف أن الموت لا يغيب شاعراً بوزن وقيمة درويش، وتعرف أيضاً أنه ليس كل محمود درويشاً.

أتابع تصريحات المسؤولين الإسرائيليين دائماً، وأهتم بتوصيفهم للآخر، لأن التوصيف يحمل دلالات نفسية متحررة من الالتزام المصلحي بالشروط التي يمليها الظرف السياسي. وأعرف أن بنيامين نتانياهو أو أياً من أعضاء حكومته اليمينية لم يصف رئيس السطة محمود عباس بالعدو، وكذلك الحال مع القيادي الحمساوي محمود الزهار، لأن قادة الكيان يعرفون الفرق بين هذا المحمود المبدع ومحاميد السلطة والفصائل المحكومين برؤى عابرة ومؤقتة وتكتيكات بائسة تخضع للواقع المفروض، ولا يفكرون بالواقع المأمول.

إسرائيل تعرف أعداءها جيداً، وكذلك يعرف الممسكون بمفاتيح القرار الفلسطيني أعداء إسرائيل فيحاصرونهم في حياتهم وفي موتهم ويسعون إلى تغييب أثرهم ومحوهم من الذاكرة الجمعية، مثلما يجهدون في تغييب أثر ياسر عرفات الذي أبدع في النضال وفي الصمود.. وفي القيادة.

نحن أيضا نعرف أعداءنا، وندرك أن محمودا لا يشبه محمودا آخر، ونؤمن بأن "الحي ليس أبقى من الميت إلا في حساب من يستبدلون الورد بالعلف" مثلما جاء في مقدمة الشاعر المبدع خيري منصور لكتاب السياسي والأديب نبيل عمرو عن الراحل محمود درويش.

يحضر محمود درويش في حفل اتحاد الملحنين الإسرائيليين، ويغيب شعره عن المهرجانات الثقافية العربية التي يمتطيها الصغار وأنصاف الشعراء وبعض أولئك الحالمين بنوبل في نسختها العربية المخصصة لفرسان التطبيع.