الثلاثاء 13 يونيو 2017 / 21:00

الملك عبد الله وسَنة حكم الإخوان

عندما أتى الخبر بأن محمد مرسي صار رئيساً لمصر، كنت جالساً مع أكاديمي مصري، صديق يساري التوجه، قد نخرت السياسة رأسه فاشتعل شيباً وحكمة. سألته عن مستقبل الديمقراطية بعد وصول الإخوان إلى السلطة. فبادرني بجواب لا علاقة له بالسؤال وقال: "سنة واحدة بس" "مش حيكملوا أكثر من سنة وسينهارون". لقد كانت إجابة صادمة في لحظتها. ومع تجليها شيئاً فشيئاً بمرور الأيام لتصبح حقيقة، أصبحت كلمات ذلك الصديق صادمة أكثر. سألته : لماذا تعتقد هذا؟ فقال : "يا ابني دول مالهمشي علاقة بالسياسة، دول شوية وعاظ".

نقلت كلماته بحروفها مع تقديري الشخصي للواعظ الذي يعظ بالخير، وبُغضي للواعظ الذي لا يرى بأساً في أن يمشي فوق الجماجم لكي يصل إلى السلطة، أو يملأ جيوبه بالمال الحرام الذي حصل عليه من الارتزاق بالدين، والعبث بالدين من أجل السياسة. كما أنني نقلت كلماته لكي يعرف القارئ العربي أن فن التحليل السياسي له أهله وأساطينه، لا أقصد اليساريين تحديداً، وإنما أقصد أولئك الذين يفهمون أن الحُكم فن، وليس خُطباً فصيحة.

يقول الإخوان : "لقد تآمر علينا الناس فسلبونا حقنا في الحكم". وكنت أجيبهم بأن دعوى المظلومية التي يكررونها من خلال قناتهم "الجزيرة" تبين جهلهم بقواعد لعبة الحكم. فلو كان مرسي من أولئك الزعماء العظماء الذين حفروا أسماءهم حفراً في ذاكرة التاريخ مع ضخامة التحديات، لما استطاع أحدٌ أن ينتزع الحكم منه، ولو اجتمعت عليه كل القوى المحيطة به. إنهم يلومون المملكة والإمارات على سقوط حكمهم، ومن المعلوم أن عدد سكان دول الخليج والمملكة معها، لا يعادل ثلث سكان مصر، ولو كان أهل مصر معه لما هزمه أحد. الذين رفضوه هم أهل مصر لأنه لم يكن أهلا للمنصب، وكما يقولون عندنا في نجد "الحُكم يبغي له ولد"!

حكم الإخوان مصر في 2012 ولم يكن موقف المملكة حاداً من مرسي في البداية، بل استقبله الملك عبد الله وأكرم وفادته, لأنه قد أصبح وقتها رئيساً لمصر ولا بد من التعامل معه. لكن مرسي فاجأنا بزيارة تلت زيارته للمملكة، إلى خصمنا السياسي إيران! أمرٌ لم يفعله الرئيس حسني مبارك ولا الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، لكن الإخوان فعلوها، فأخذنا من هذا الفعل فائدتين:

أن كل الحديث عن العلاقة الفكرية بين إيران والإخوان, كان صحيحاً ولا مجال لتكذيبه بعد تلك الزيارة. البحث التاريخي سيقودنا إلى أن العلاقة أقدم مما قد نتصور.

وأننا أمام نظام لا ينطلق من المبادئ التي نظّر لها لمدة 80 سنة, واتضح أنهم لا يملكون غير أكاذيب وحيل ومكائد ودسائس.

لقد حكم الإخوان مصر وينبغي لنا ألا نكره تلك السنة, لأنها السنة التي انهار فيها الوهم، وانهار فيها تنظير استمر 80 سنة، وعندما تتحرر من الأوهام فينبغي لك أن تفرح، لا أن تحزن، فهذا التحرر يستحق كل قيمة بُذلت.

سرعان ما وجدتُ في المشهد السياسي مصاديق وليس مصداقاً واحداً لوجهة نظر ذلك السياسي المحنك. أخطاء غبية لا يقع فيها من يعرف ألف باء السياسة. من هذه الأخطاء فاقعة اللون، أن كل السياسيين في العالم، وأنصاف السياسيين، يعلمون أن أي دولة خرجت للتو من ثورة وتريد أن تكون ديمقراطية، عليها أن تُشكل حكومة ائتلافية تضم كل الأحزاب الموجودة في المشهد السياسي، وأنه لا بد من المحاصصة، وأن الكعكة يجب أن تقسم على كل الأحزاب مهما صغُرت، بحيث تتناسب حصة كل حزب مع حجمه والنسبة التي يشكلها في المجتمع. كل ذلك لضمان الأمن والاستقرار والبُعد عن شبح الثورة وويلاتها. لكن هذا الأمر البدهي لم يحدث. لقد سال لعاب الإخوان للسلطة ولم يكتفوا بالتمثيل الأغلبي في مجلس الشعب، بل انطلقوا لابتلاع كل شيء بما في ذلك منصب رئيس الجمهورية الذي وعدوا ألا يترشحوا له.

في طوال تلك الفترة منذ تولي محمد مرسي لرئاسة مصر في 30 يونيو 2012 وحتى تاريخ 30 يونيو 2013 يوم الثورة على حكمه وحكم الإخوان، كانت كل التقارير التي تُرفع للملك عبد الله رحمه الله، عنهم سيئة. فكر ثوري يسعى لعودة حكم العثمانيين على العالم الإسلامي كله، ويمجد الثورة الإيرانية ويتحالف معها، ولا يملك أية رؤية سياسية أو توجه واضح المعالم غير رفع راية "الإسلاميين" والتبعية لتركيا، وكأن كل هذه الدول العربية قد خرجت من الإسلام بزعمهم، فلم يظهر الإسلام إلا مع طلوع صبح محمد مرسي العياط!

كل التقارير كانت سيئة، ومنها تلك الحادثة المريبة عندما طلب محمد مرسي نفسه من الجهات الأمنية ملف الإخوان المسلمين السري، ذلك الطلب الذي قوبل بالرفض الجازم. هم يعلمون أن في تاريخهم أشياء مزعجة، ونحن نعلم هذا أيضاً.

كان من الممكن أن يكون محمد مرسي رئيساً لمصر كغيره ممن خرجوا من عباءة الإخوان ثم انقلبوا عليها كجمال عبد الناصر وأنور السادات. هذان الرئيسان قد أدركا جيداً أنهما أصبحا في مركز من القوة بحيث أصبحت الجماعة بالنسبة لأي واحد منهما شيئاً ضئيلاً. مجرد جماعة من الجماعات التي سيضطر للتعامل معها في كل يوم. أما محمد مرسي فقد بقي التابع الذليل للمرشد العام الثامن لجماعة الإخوان المسلمين, محمد بديع. برأيي : كان للبعد الشخصي دور في سقوطه.

قرأت ذات مرة، رواية تتحدث عن ثوار في أمريكا الجنوبية قاموا على رئيس بلادهم فقتلوه, لأنه لم يعجبهم منه أمور أربعة. فلما أصبحوا في السلطة اقترفوا تلك الأمور الأربعة، الواحد بعد الآخر. هذا قد حدث فعلاً في السنة التي حكم فيها الإخوان مصر. لقد قتل إخوانهم الرئيس أنور السادات لأنه تصالح مع إسرائيل فاستعاد بذلك سيناء التي تبلغ مساحتها حوالي 60088 كيلو متر مربع، فتمثل بذلك نسبة 6% من مساحة مصر الإجمالية، وهي مساحة أكبر من مساحة فلسطين التاريخية قبل الاحتلال بعدة مرات، ومع هذا لم يُعفه ذلك من تلطيخ اسمه بالعار والشنار، ولم يسلم من القتل.
ثم أتى محمد مرسي وأمام العالم كله وخاطب الرئيس الإسرائيلي قائلاً:

"صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل،
عزيزي وصديقي العظيم

لما لي من شديد الرغبة في أن أطور علاقات المحبة التي تربط لحسن الحظ بلدينا، قد اخترت السيد السفير عاطف محمد سالم سيد الأهل، ليكون سفيراً فوق العادة، ومفوضاً من قبلي لدي فخامتكم، وإن ما خبرته من إخلاصه وهمته، وما رأيته من مقدرته في المناصب العليا التي تقلدها، مما يجعل لي وطيد الرجاء في أن يكون النجاح نصيبه في تأدية المهمة التي عهدت إليه فيها".

هذه لا تبدو لغةً لمن يريد أن يلقي بإسرائيل في البحر. إنها لغة نسيت كل ما تم بثه من نظريات ثورية شرّقت وغرّبت وهاهو مرسي يلبس جلباب السادات بلا خجل! قصة الإخوان هي قصة حسن البنا تتكرر بنفس أخطائها، فنظرية التطور لا تنطبق على هذه الجماعة بأية حال. لكن كان حسن البنا صنيعة الانكليز، عندما كانوا يحكمون مصر، وكان الانكليز يريدون منه ومن جماعته أن يكونوا شوكة في حلق الملك فاروق، وورقة بيد الانكليز للضغط عليه. لا أجزم بأن العلاقة كانت قائمة عند تأسيس الجماعة في 1928 ولكني أجزم أن الحكومة البريطانية مولتهم بعد التأسيس. مع أن القول بأنهم كانوا منذ البداية، يستلمون أموالاً من جهات مشبوهة، له ما يؤيده، خصوصاً عندما نكتشف علاقة المؤسس بالماسونية وإعجابه بقَسَمها السري الذي أصبح قَسَماً للجماعة، يقف العضو أمام قائده في غرفة مظلمة فيحلف على مصحف ومسدس على الولاء للمرشد ويبايعه، بيعة سرية لا تعترف بدول ولا حكومات.

من الأحداث التي تشي بالخيانة المبكرة أن حزب الوفد الذي كان يقود الكفاح ضد الاحتلال البريطاني، كان قد عرض على حسن البنا أن تشارك جماعته في عمليات "جهادية" ضد المحتل، فرفض حسن البنا أن تشارك جماعته. هذا طبيعي، كيف يقاتل من يموّلونه؟! لقد كانت كل قصة حسن البنا أنه رجل حام حول القصر، فقتله صاحب القصر.

كل هذا تاريخ، وقد سبق أن كتبت عنه، لكن ما يُهمني اليوم هو أن ألفت نظر أبناء المملكة وأبناء الخليج عموماً إلى حكمة الملك عبد الله عندما ألقى بثقله في معركة مصر مؤيداً ومباركاً ثورة الشعب الذي سَئم من الإخوان الذي كانوا يسيرون بمصر نحو الهاوية. وكذا بارك أخوه الشيخ الحكيم محمد بن زايد ثورة 30 يونيو التي سيحتفل بها المصريون في هذا الشهر.

لقد اكتشفنا اليوم كم هي بعيدة نظرة هذين الزعيمين، عندما رأيا أن من مصلحة مصر ومن مصلحة الأمن الخليجي ومن مصلحة العرب أجمعين أن يؤيدا مفارقة الإخوان لكرسي الرئاسة في مصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان. من أدلة صواب ذلك الرأي وشهوده، أن الملك سلمان بن عبدالعزيز وإخوانه في الإمارات والبحرين يواجهون في هذه الأيام نظاما إخوانيا مصغرا يحكم الشقيقة قطر، حيث عين السذاجة والمراهقة السياسية، وعين دعوى المظلومية الإخوانية. لا غرابة، فعلاقة النظام القطري الحالي بجماعة الإخوان قديمة. نحن نواجه مشكلة الآن مع قطر ونتمنى أن تنتهي على خير, لكن لك أن تتخيل أيها القارئ الكريم إلى أي درجة كانت هذه الأزمة السياسية ستتضخم وتتعاظم لو أنها اندلعت ومحمد مرسي العياط وشيخه محمد بديع يحكمان مصر ويتمتعان بعلاقة ذات تميز وحميمية مع تركيا وإيران.

رحمك الله يا عبد الله بن عبد العزيز
وأطال الله في عمرك يا محمد بن زايد