الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.(أرشيف)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.(أرشيف)
الأربعاء 14 يونيو 2017 / 21:18

فرنسا: رهانات وتحدّيات

لئن أعطى الفرنسيّون رئيسهم الكثير فإنّهم سوف يطالبونه بالكثير في المقابل. فالأكثريّات في النظام الديمقراطيّ تتغيّر كما أنّ الثقة تبقى قابلة لأن تُسحب إن لم تُرفق بالإنجازات

الدور الأوّل من الانتخابات النيابيّة الفرنسيّة أعطى حزب "الجمهوريّة إلى الأمام" أكثريّة يجعلها القانون الانتخابيّ (الفارق بين عدد المصوّتين والمقاعد) أكثريّة كاسحة.

الأحزاب التقليديّة، لا سيّما منها الحزب الاشتراكيّ، حصدت نتائج بائسة.

الدور الثاني من الانتخابات يُفترض به أن يكرّس النتائج التي سجّلها الدور الأوّل.

في الخلاصة النهائيّة، حصل الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون على تزكيتين كبريين: مرّة لشخصه ومرّة لحزبه. المعاني والعِبَر التي استنتجها كثيرون، ولا زالوا يستنتجونها، يتصدّرها انهيار النخبة التقليديّة بيسارها الاشتراكيّ ويمينها الشيوعيّ، والبحث عن بديل من خارج هذه الثنائيّة.

لكنْ لئن أعطى الفرنسيّون رئيسهم الكثير فإنّهم، وكما لاحظ أحد المراقبين، سوف يطالبونه بالكثير في المقابل. فالأكثريّات في النظام الديمقراطيّ تتغيّر كما أنّ الثقة تبقى قابلة لأن تُسحب إن لم تُرفق بالإنجازات.

وماكرون، على ما يبدو، سيراهن على عناصر خمسة:

أوّلاً، إطالة فترة السماح المعطاة له بنتيجة عدم ثقة الفرنسيّين بالنخبة القديمة. هذا أيضاً ما سيزوّده فرصة اختيار نخبة حكمه الجديدة (قيادات حزبه الناشئ) التي تفرز طواقم عهده وكوادره.

ثانياً، أنّ خطّه السياسيّ، وإن كان جديداً وشبابيّاً ومتمرّداً على النخبة، يغرف من تقليد فرنسيّ قائم. هذا التقليد سبق أن مثّله رجال دولة كبار كرئيس الجمهوريّة السابق فاليري جيسكار ديستان ورئيسي الحكومة السابقين ميشال روكار وريمون بار. هذا ما يخلق بعض الإلفة بين عهده وبين ذاكرة الفرنسيّين السياسيّة حين كان الإيجابيّ يزن أكثر من السلبيّ.

ثالثاً، التحالف الوثيق مع ألمانيا في ظلّ المستشارة أنجيلا ميركل. هذا ما ينطوي بالطبع على مضامين سياسيّة واستراتيجيّة، ولكنْ أيضاً على فرص اقتصاديّة. في العموم فإنّ أوروبا ستعود ألمانيّة – فرنسيّة أساساً: من جهة، بسبب خروج بريطانيا من الاتّحاد، ومن أخرى، بسبب انكفاء بلدان أوروبا الوسطى، في ظلّ قياداتها القوميّة – الشعبويّة عنه.

رابعاً، الحلول محلّ بريطانيا في عدد من الوظائف الاقتصاديّة والماليّة التي ستفدها لندن بسبب بريكزيت. هذا ما يفسّر التشدّد المتوقّع من قبل ماكرون في تفاوضه مع رئيسة الحكومة البريطانيّة تيريزا ماي. فهو، القويّ بنتيجة انتخاباته، يُرجّح أن يملي عليها، هي الضعيفة بسبب انتخاباتها، صيغة قصوى و"خشنة" من بركزيت تضمن إجلاءها عن الاتّحاد.

خامساً، وهو الأهمّ بإطلاق، احتضان ورعاية الطور الجديد من الثورة ما بعد الصناعيّة. لقد ظهر هذا الرهان في أوضح أشكاله مع النداء الذي وجّهه ماكرون للعلماء الأمريكيّين بعد امتناع الرئيس دونالد ترامب عن التوقيع على اتّفاقيّة باريس للمناخ. ماكرون أعلن ما معناه أنّ بلاده تفتح ذراعيها لكلّ من لا يوفّر له بلده شروط الإنتاج والإبداع. هذا يعني أنّ فرنسا تراهن – وأيضاً بالتنسيق مع ألمانيا السبّاقة في هذا المجال – على اقتصاديّات الطاقة البديلة والمجدَّدة. فإذا تسنّى لثورة الطاقة أن تقلع، وما من شيء يشير إلى عكس ذلك، فإنّ أوروبا والصين ستحضنان الطور الجديد واقتصاديّاته الصاعدة. أمّا الولايات المتّحدة وبريطانيا فيُقدّر أن تكونا بعيدتين نسبيّاً عنه.

هذه العناصر لا تلغي تحدّيات ثلاثة كبرى: هل يمكن الجمع بين الضمانات الاجتماعيّة للأفقر والأضعف وبين إضفاء بعض المرونة والسيولة على سوق العمل وضماناته؟ وهل تتيح النقابات لماكرون أن يحوّل باريس إلى لندن أخرى في مجال التشريع بحيث تستطيع الإفادة ممّا ستخسره بريطانيا؟ وأخيراً، كيف السيطرة اليوم على اشتغال الديمقراطيّة في ظلّ تعاظم وزن الشركات العابرة للحدود على حساب إرادة المقترعين.

أغلب الظنّ أنّ الأشهر القليلة المقبلة ستكون ساحة حرب بين الرهانات والتحدّيات!