صورة تعبيرية.(أرشيف)
صورة تعبيرية.(أرشيف)
السبت 17 يونيو 2017 / 21:16

في عيد الأب

لنتفق مبدئياً على أن هذه الوصايا جميلة وحسنة، فلا نضيّع الكثير من الوقت والجهد وخلايا الدماغ في التساؤل أي آباء أولئك الذين يجب تذكيرهم باستمرار بالحنو على بناتهم، وعدم معاملتهن كمجرمي الحروب عند القبض عليهم

أيام معدودة باتت تفصلنا عن عيد الأب، وكما في كل عام، سيجعلني بعض العربان أتمنى لو كنت أنا أيضاً قد نسيت رمزية الـ21 من يونيو(حزيران)، أو جاريتهم في تحريم الاحتفاء بكل شيء.

باتت "الموضة الوعظية" السائدة في أن يوصّوا الآباء بأن يرفقوا بنا نحن القوارير، فيكسوا قلوبنا بالعطف والمودة، ويحيطوا خواطرنا باللين والطيب.

ولنتفق مبدئياً على أن هذه الوصايا جميلة وحسنة، فلا نضيّع الكثير من الوقت والجهد وخلايا الدماغ في التساؤل، أي آباء أولئك الذين يجب تذكيرهم باستمرار بالحنو على بناتهم، وعدم معاملتهن كمجرمي الحروب عند القبض عليهم.

إلا أني سأطلب منك القفز إلى الأسطر الأخيرة من الوصايا كما تفعل عادة مع صفحة "الأحكام والشروط" التي لا يقرأها أحد. هنا، ستجد الأهداف المعلنة لوصاياهم، وليتهم لم يعلنوها.

إنها هرطقة مضحكة مبكية من مثل، "مدّ ابنتك بالعاطفة، ولن تنشدها يوما لدى حبيب"، أو "اغمر صغيرتك المراهقة بالمحبة، ولن تخون ثقتك لتحصل عليها من غريب ما".

ودون أن نبدو كما لو كنا نروّج بالضرورة إلى أن تتأبط كل فتاة ذراع عشيقها، إنه من العته المحض أن نضطر إلى أن نوضّح الفوارق بين المحبتين كما لو كنا نقدّم كتيباً عن كيفية عمل الكائن البشري السوي إلى وفد من الفضائيين.

إنها حزمة من الغباء التي قطعاً لا تستحق الرد عليها ومحاولة تفنيدها.

ولكن من المثير جداً للقلق، أننا حين قررنا أن نُعيّن المحبة والرأفة والعطف مأموراً ينظّم علاقات الآباء بالبنات، وأن نُحذّر من عواقب الجلافة والتعنت، فذلك فقط لأننا أدركنا بأن القسوة قابلة للكسر حتى وإن اشتد قيدها، وبأن قضبان الصرامة قد تنحني مهما استقام وقوفها، لا سيما وأن هؤلاء الفتيات ينتمين إلى أجيال لا تستمرئ الظلام كسابقاتها.

أما ذلك السجن الكبير الذي تُحبس فيه حرية الفتاة في الاختيار وتقرير المصير -بما في ذلك حرية انتقاء نصفها الآخر-، وتُخنق فيه إرادتها بالابتزاز العاطفي، والتحكّم المباشر وغير المباشر بأتفه خطواتها، فلا زلنا نسعى إلى تأمينه وتعزيز منعته. لم يتغيّر فعلياً سوى اعترافنا بأنّه بات على الأب أن يجعل أسوار السجن المتهالكة من الأُلفة، وأن يسلّح جدرانه باللطافة.

الـ21 من يونيو سيصادف أيضاً أطول أيام السنة، فتحت تلك الشمس المتفائلة المشرقة، لننهال بأول المعاول على أركان هذا السجن.

إنها معاول المحبة والرأفة، تماماً مثل تلك التي نادى بها المتفذلكون والمتسترون بالكلام الإنشائي البديع عن احتقارهم للمرأة. ولكنها ليست تلك المحبة والرأفة التي تتهدم فوق رؤوس الفتيات لتتحوّل إلى حكم مؤبد من نوع آخر، بل تلك التي تمنحهن مثالاً أعلى يتطلعن إليه طوال حياتهن، ومعياراً صحياً يتبنينه في كل علاقاتهن مع الجنس الآخر.